مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}؛ أي: وليس مغفرتُك بيدي، ثم بيَّن أنَّه لم يكن ذلك الاستغفارُ لأبيه عن موالاة الكافر، ولكن لِما قال اللَّه تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} التوبة: ١١٤ وقد شرحناها ثمَّة على الوجه.
وقيل: الاستثناء من قوله: لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة إلَّا في هذا، فإنَّه لا أسوة لكم في هذا، كما قال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} الآية التوبة: ١١٣.
وقيل: هو استثناء منقطع، وتقريره: لكن قولُ إبراهيم لأبيه: (لأستغفرنَّ لك) كان لموعدةٍ وعدَها إياه (١)، فظنَّ أنَّه قد أنجزها، فلمَّا تبيَّن له إصرارُه على الشِّرك تبرَّأ منه، ولا يحلُّ لكم أن تستغفروا للمشركين مع علمكم بشركهم، ولا يجوز لكم أن توالوهم.
وقوله تعالى: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا}: قال الضَّحَّاك: هذا قول إبراهيم ومَن معه (٢).
وقيل: هو تعليم اللَّه عباده أن يقولوه؛ يعني: أظهِروا لهم العداوة، ولا يهولنَّكم كثرة عددهم.
وقوله تعالى: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا}؛ أي: اعتمدنا.
{وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا}: أي: رجعنا بالاعتراف عن ذنوبنا.
{وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}: أي: المرجع في الآخرة.
(١) في (ر): "أبوه".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢٩٣) بلا نسبة، والواحدي في "البسيط" (٢١/ ٤١٠) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.