(٥ - ٦) - {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
{رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا}: أي: لا تُظْهِرْ عدوَّنا (١) علينا فيُفتَتَنَ بنا الكفَّار، فيرَوا أنَّهم على حقٍّ، ونحن على باطل.
وقيل: اصرف عنا شدائد الدُّنيا، ولا تُنزل بنا ما يشمِتْ بنا الكفَّار، فيظنُّوا أنَّه إنَّما نالنا ذلك بسوءِ منزلتنا عندك، فيكون ذلك فتنة لهم من هذا الوجه. وهذا معنى قول مجاهد وقتادة وعكرمة.
وقال الضَّحَّاك: أي: لا تسلِّط علينا عدوَّنا، فيفتنوننا عن ديننا (٢).
وعلى هذا الفتنة مصدر بمعنى المفعول.
{وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: هذا ظاهر (٣).
قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}: التَّكرير للتَّأكيد والتَّقرير؛ لأنَّ الأوَّل في التَّبرُّؤ عن الكفَّار، والثَّانيَ في التَّقرب بهذه الدَّعوات.
ولأنَّ الأوَّل حثٌّ على الاقتداء بهم، والثَّانيَ بيانٌ أن هذا النَّفعَ يقع {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}.
ولأنَّ الأوَّل نزل في وقتٍ، والثَّانيَ في وقتٍ آخر، فلم يكن تكرارًا كتكرار القصص، والأمرِ بإقامة الصَّلاة وإيتاء الزَّكاة في سُورٍ وآيات.
ثم قوله: {لَكُمْ} مع قوله: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} لا يتنافيان؛ لوجهين:
(١) في (ر): "لا يظهر أعداؤنا".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٥٦٩) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما وقتادة ومجاهد.
(٣) "هذا ظاهر" ليس في (أ).