فأخذ زيدٌ الرَّاية فقتل، ثمَّ أخذها جعفرُ فقُتِلَ، وقطعَتْ يداه ورجلاه، فجعل اللَّه له جناحَيْن يطير بهما مع الملائكة، ثمَّ أخذَ عبدُ اللَّه بن رواحة الرَّاية، فكأنَّه تلكَّأ قليلًا، ثم حمل عليهم حتى استُشْهِد" (١).
* * *
(٤) - {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}: أي: مصطفِّين على نسقٍ واحد.
{كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}: أي: ملزَقٌ بعضُه ببعضٍ، لا فُرْجةَ فيه، يقال: رَصَّهُ يرصُّهُ رَصًّا: إذا ألزق بعضَه ببعضٍ التزاقًا محكمًا شديدًا، ورجلٌ أرصُّ: متلازقُ الأسنان.
وهذا التَّمثيل يقع على حسن المقام، حتى إنْ دَلَفوا إلى العدوِّ دَلَفوا (٢) صفًّا، وإنْ وقفوا وقفوا صفًّا، وهذا أيضًا أهيبُ وأبعدُ من طمع العدوِّ من هزيمتهم، وهذا أيضًا أشبهُ بصفوف الصَّلاة التي خُصَّتْ بها هذه الأمَّة.
ويكون التَّمثيل أيضًا بالبنيان على جهة الثَّبات للقتال كالبناء المرصوص.
والبنيانُ واحد كالبناء، ولذلك قال: {مَرْصُوصٌ}، ولم يقل: مرصوصة.
(١) رواه البخاري مختصرًا (١٢٤٦) من حديث أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، ولفظه: "أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد اللَّه بن رواحة فأصيب -وإن عيني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لتذرفان- ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له".
ورواه بنحوه الإمام أحمد في "المسند" (٢٢٥٦٦)، وابن حبان في "صحيحه" (٧٠٤٨) من حديث أبي قتادة رضي اللَّه عنه.
(٢) في (أ): "إذا دلفوا إلى أحد ودلفوا"، وفي (ف): "إذا دلقوا إلى العدو لقوًا"، وفي (ر): "إن ذلقوا إلى العدو ذلقًا"، ولعل الصواب المثبت.