{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}: أي: بُغضًا، وهو كقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} الآية النساء: ٧٧.
ودلَّت الآية أنَّ صاحب الكبيرة مؤمنٌ رغمًا للمعتزلة؛ لأنَّ ما استَحق عليه العبدُ مقتَ اللَّه -وهو أشدُّ البغض- فهو كبيرةٌ، ومع ذلك خوطبوا بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}.
قال نجم الدِّين (١): ولنا حديث مُسلسلٌ في هذا، مُسنَدٌ إلى عبد اللَّه بن سلام، قال: خرجْنا نتذاكرُ، فقلْنا: أيُّكُم يأتي رسولَ اللَّه فيسألَه: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى اللَّه تعالى؟ ثم تفرَّقنا، وَهِبْنا أن يأتيَه أحدٌ منَّا، فأرسل إلينا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وجمعَنا، فجعل يومئ بعضُنا إلى بعض، فقرأ علينا: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} السُّورةَ إلى آخرها، وكذا قرأ كلّ راوٍ السُّورة عند رواية هذا الحديث إلى شيخنا (٢).
قيل: إنَّما قرأها كلَّها لأنَّ في أوَّلها: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} الصف: ٤، وفي آخرها: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} إلى آخر الآية.
وقال مجاهد: نزلَتْ في نفرٍ من الأنصار منهم عبد اللَّه بن رواحة، كانوا في مجلسٍ فقالوا: لو علمنا أيَّ الأعمال أحبَّ إلى اللَّه تعالى لعملناه حتى نموت، فأنزل اللَّه تعالى السُّورة، فقال عبد اللَّه بن رواحة: لا أبرح حبيسًا في سبيل اللَّه تعالى حتَّى أموت أو أقتل شهيدًا، وكان على ذلك حتى قتل في غزوة مؤتة شهيدًا (٣).
وروي أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثَهم في غزوة مؤتة، وأمَّر عليهم زيد بن حارثة وقال: "إنْ قُتِلَ زيدٌ فأميرُكم جعفرُ بن أبي طالب، فإنْ قُتِلَ جعفرٌ فأميرُكم عبدُ اللَّه بن رواحة. . .
(١) يعني: المؤلف، وقوله: "قال نجم الدين" ليس في (أ) و (ف).
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢٣٧٨٩)، والترمذي (٣٣٠٩). قال ابن حجر في "فتح الباري" (٨/ ٦٤١): إسناده صحيح قل أن وقع في المسلسلات مثله مع مزيد علوه.
(٣) رواه ابن المبارك في "الجهاد" (٣)، والطبري في "تفسيره" (٢٢/ ٦٠٧).