وكان بعثُه نعمةً لهم؛ لأنَّه بُعث في وقت اختلافهم وتغييرِ الكتاب، وفي وقتِ فترة الرسل، وكان في طاعته نجاتُهم، ونظيرُه قوله تعالى: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} النحل: ١١٢ يعني: محمَّدًا (١) عليه الصلاة والسلام، وإنَّما ذكَره باسم الجمع لكثرة ما فيه مِن النِّعم، كما سمَّى إبراهيمَ أمَّةً لقيامه بمعاني الأمم.
وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي}: قيل: هو الأمرُ بالوفاء بالميثاق الذي أَخذ اللَّهُ تعالى على ذرِّيَّة آدمَ عليه السلام؛ مِن الإيمان به والائتمارِ بأمره.
والعهدُ اسمٌ للإيمان، قال اللَّه تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} البقرة: ٨٠؛ أي: هل قُلْتُم: لا إله إلَّا اللَّهُ.
وقيل: هو ما أُخذ عليهم مِن العهد في الكتاب (٢) بالإيمان برسولنا محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (٣) آل عمران: ١٨٧.
وقال ابنُ عباسٍ والرَّبيع: أي: أَوفوا بما أمرتُكم به، أوفِ بما وعدتكم به (٤).
والعهد يكون بمعنى الأمر؛ قال اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ} طه: ١١٥ وقال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ} يس: ٦٠ وقال عزَّ وجلَّ: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ} البقرة: ١٢٥، فكان قوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} أي (٥): أمري.
(١) في (أ) و (ف): "هي محمد" بدل: "يعني محمدًا".
(٢) في (أ): "كتابهم".
(٣) في (أ) و (ف): "ليبيننه للناس ولا يكتمونه".
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (١/ ٥٩٨) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٥) في (أ): "بمعنى"، وفي (ف): "يعني".