فإنْ قيل: أليس يسوَّد وجهُ الكافر، فما بالُ ذِكر الأنف خاصَّة؟
فالجواب: أنَّ العرب خُوطبت بما (١) تتكلَّم، فيقولون: أرغمْتُ أنفَه، واحتززْتُ أنفَه، وقدْتُه بخزامته، ويقولون: شمَخ بأنفِه، فينسبون الكِبْر إلى الأنف، وهكذا ذكرُ الأنف بالوَسم، وإن كان السَّواد في سائر وجهه، قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} آل عمران: ١٠٦.
وقيل: هو على مجاز كلام العرب إذا شانوا الرَّجل بما يبقى عاره، قالوا: وسَمْتُه وكويته، قال جرير:
لَمَّا وضعْتُ على الفرزدقِ مِيْسَمي... وعلى البَعِيْثِ جدعْتُ أنفَ الأخطلِ (٢)
والتَّأويل: سنسم هذا الكافر بسِمَةٍ لا تفارقُه أبدًا؛ أي: سنُلحق به عارًا لا يفارقُه في الدُّنيا والآخرة.
وقد فعل ذلك لَمَّا أنزل في القرآن من ذكر خصاله هذه، فعرفه بها الأوَّلون والآخرون، فصار ذلك شَينًا باقيًا عليه.
وخَصَّ ذكرَ الخرطوم لأنَّ ذلك ممَّا لا يَنكتِم كما ينكتم إذا كان في سائر البدن.
* * *
(١٧ - ١٩) - {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ}.
وقوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ}: أي: اختبرنا هؤلاء المشركين المانعين الخيرَ بالأولاد والأموال ليشكروا، لا ليطغَوا ويمنعوا خيره (٣).
(١) في (أ) و (ف): "كما".
(٢) انظر: "ديوان جرير" (٢/ ٩٤٠).
(٣) في (ر): "ليشكروا لطفه أو يمنعوا خيره".