قال قتادة: ذُكِر لنا أنَّ شيخًا من بني إسرائيل كان له جنَّة وبنون، فجعل الشَّيخ ينظر قَدْرَ ما يكفيه وولده وأهله، فيمسكه ويتصدَّق بالباقي، وجعل بنوه يقولون له: لئِنْ لم تنتهِ لنفعلَنَّ ولنفعلَنَّ، فأبى أن يعطيَهم، فمات الشَّيخ، وورثه بنوه، ومنعوا الحقَّ عن المساكين، فأصبحت جنَّتهم كالصَّريم (١).
وقال عكرمة: هم ناسٌ من الحبشة كانت لأبيهم جنَّة، وكان يطعم المساكين منها، فمات أبوهم، فقال بنوه: كانوا أبونا أحمقَ حين يُطعم المساكين، فأجمَعوا ليَصرمنَّها مصبحين. . . القصَّة (٢).
وقال ابن مسعود رضي اللَّه عنه: بلغني أنَّ القوم أخلصوا، وعلم اللَّه منهم الصِّدق، فأبدلهم بها جنَّة يُقال لها: الحيوان، فيها عنب يحمل البغلُ منها عنقودًا (٣).
* * *
(٣٤ - ٣٨) - {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ}.
وقوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}: ذكر أوَّلًا: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} وذلك للمشركين، وذكر بعد ذلك ما يكون للمتَّقين أنَّهم لم يتعزَّزوا بجنَّات الدُّنيا ونعيمها، ولم يمنعوا حقَّ المساكين منها، وأعطاهم اللَّه تعالى جنَّات النَّعيم في الآخرة.
{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}: استفهام بمعنى النَّفي؛ أي: لا نسوِّي بينهم.
(١) ذكره الماوردي في "تفسيره" (٦/ ٦٧).
(٢) ذكره مختصرًا الماوردي في "تفسيره" (٦/ ٦٧) دون نسبة.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ١٨).