(٤٤) - {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}.
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ}: أي: فكِلْ يا محمَّد هؤلاء المكذِّبين بهذا القرآن إليَّ.
{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ}: أي: سنُدْنيهم من عذابنا ونقمتنا بالإمهال قليلًا قليلًا، كما يرقَى الرَّاقي موضعًا عاليًا، فيتدرج إليه درجة درجة، وشيئًا شيئًا، حتى يصل إليه بالمَهَل.
{مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}: أي: من حيث يغترُّون بطول الإمهال ولا يدرون تقريبي إيَّاهم من العذاب والنَكال.
وقال زيد بن أسلم: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ}؛ أي: نُسبغ عليهم النِّعم ونُنسيهم الشُّكر (١).
وعن النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "إذا رأيْتَ اللَّهَ تعالى ينعمُ على عبدٍ وهو مقيمٌ على معصيتِه، فاعلم أنَّه مستدرَجٌ"، وتلا قوله: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} (٢).
وعن عمر رضي اللَّه عنه لَمَّا حُمل إليه كنوز كسرى وملؤوا منها المسجد بكى وقال: أخشى أن أكون مستدرجًا، وتلا هذه الآية (٣).
(١) رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (١١٦)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٧/ ٧)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (١٠٢٤)، عن سفيان الثوري.
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١٧٣١١)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٧/ ٣٣٠)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٤٢٢٠)، من حديث عقبة بن عامر رضي اللَّه عنه. قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (ص: ١٤٧٧): رواه أحمد والطبراني والبيهقي في "الشعب" بسند حسن.
لكن الآية المتلوة عندهم هي قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام: ٤٤ - ٤٥.
(٣) ذكره الإمام الشافعي في "الأم" (٤/ ١٥٧) عن غير واحد من أهل العلم، ومن طريقه البيهقي في =