يكتبون منه ما هو كائن، فيجادلونك به ويزعمون أنَّهم على كفرهم أفضلُ منك عند اللَّه، وأنَّه لا ينزل بهم عذابٌ مستأصِل، أو فيه أنَّ البعث غير كائن.
* * *
(٤٨ - ٤٩) - {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}.
وقوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ}: أي: لِمَا حكم عليك مِن تبليغ (١) الرِّسالة باحتمال أذى قومك، ولا تَضِقْ به صدرًا، واترك معاجلتهم بالعذاب.
{وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}: أي: كيونس عليه السَّلام؛ إذ لم يصبر على أذى قومه وخرج مغاضبًا، فضيَّق اللَّه عليه، فالتقمَه الحوتُ.
{إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}: قال الحسين بن الفضل: {إِذْ نَادَى} لا يرجع إلى قوله: {وَلَا تَكُنْ}؛ إذ النِّداء طاعة فلا يُنهى عنها، لكن معناه: واذكره إذ نادى وهو مكظوم؛ أي: مملوءٌ حزنًا وغضبًا.
{لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ}: أي: لولا أنَّ اللَّه تعالى أنعمَ عليه بإجابة دعائه وقَبول عذره.
{لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ}: أي: لألقي بالأرض العارية عن النَّبات والبناء {وَهُوَ مَذْمُومٌ} بزلَّته.
وقد مرَّ في آية أخرى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} الصافات: ١٤٥؛ أي: ألقاه الحوت.
ولا تختلف الآيتان لوجهين:
أحدهما: أنَّ الأوَّل ليس بمطلَق النبذ، بل لنبذِه مذمومًا ولم يكن كذلك، وفي الثَّاني نبذَه بالعراء وقد كان محمودًا، وأرسله إلى مئة ألف أو يزيدون.
(١) في (أ): "بتبليغ" بدل من "من تبليغ".