ثم قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ} يجوز أن تكون المشيئة للبشر، ويجوز أن تكون المشيئة للَّه تعالى؛ أي: لمن شاء اللَّه منه أن يتقدَّم أو يتأخَّر إلى ما قلنا وبما قلنا، وقد سبق ذكره: {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}.
* * *
(٣٨ - ٤٢) - {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر}.
وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}: أي: كلُّ خَلْقٍ محتبَسٌ يوم القيامة بالحساب على أعماله، فيتخلَّصُ مَن تَثقلُ موازينُ طاعاته، ويَعلق مَن خفَّتْ موازينُه.
{إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ}: فإنَّهم في الجنَّات (١) غير محاسَبين.
وقيل: كلُّ خلقٍ مكلَّفٍ هو مرهون في النَّار {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} فإنَّهم في الجنان.
وأجملَ أولئك لأنَّهم أكثر، واستثنى منهم المؤمنين الذين يُؤتَون كتبَهم بأيمانهم ويُمضَى بهم إلى اليمين إلى الجنَّة.
وقيل: أي: كلُّ نفس من جنس هؤلاء المشركين مرتهَنةٌ بالنَّار إلَّا أصحاب اليمين. وهذا استثناء منقطع بمعنى: لكن.
و {رَهِينَةٌ}: اسم كالضَّحيَّة والنَّسيكة، ولو كان نعتًا لقال: رهينٌ؛ لأنَّ الفعيل الذي هو بمعنى: مفعول، يستوي فيه المذكَّر والمؤنَّث (٢)، كالجريح والأسير والقَتيل.
{فِي جَنَّاتٍ}: أي: هم مشرفون في جنات، والمجرمون في السُّفل في جهنَّم.
(١) "في الجنات" ليس في (أ) و (ف).
(٢) في (أ) و (ف): "الذكر والأنثى" بدل من "المذكر والمؤنث".