وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}: ألقى عن نفسه في الدُّنيا ما يغطيه للمعصية وقد خلا بها؛ ثقةً بعينيه (١) عن أبصار الخلق، ولا يخفى ذلك منه على الخالق (٢).
وقيل: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} هو إحالة بعضِهم على بعض يومئذ، كما قال خبرًا: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} الأحزاب: ٦٧، وقولِه: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} الآية سبأ: ٣١.
وقيل: {بَصِيرَةٌ}: تأنيث بصير، والهاء للتَّأنيث هاهنا لمكان الجمع؛ أي: جوارحُه بصيرةٌ بما عمل.
وقيل: هو بمعنى بصير، والهاء للمبالغة، كالعلَّامة والنَّسَّابة.
* * *
(١٦ - ١٨) - {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}.
وقوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}: روي أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا نزل عليه الوحي حرَّك لسانَه مع أداء جبريل عجلًا به لئلا يفوتَه شيء فينساه، حُبًّا منه للقرآن، وحرصًا على ضبطه، فأُمِرَ بترك ذلك، ووُعِدَ أن يُجمَع القرآنُ في صدره فلا ينساه (٣).
وهو كقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} الأعلى: ٦، وقولِهِ: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} طه: ١١٤.
(١) في (أ): "ثقة لعينيه"، وفي (ف): "ثقة بعينه"، وفي (ر): "معه بعينه".
(٢) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وروى الطبري في "تفسيره" (٢٣/ ٤٩٥) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما في قوله: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} قال: (لو تجرد).
(٣) روى معناه البخاري (٥)، ومسلم (٤٤٨)، من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما.