وقوله تعالى: {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}: النُّصرةُ: العونُ، والنُّصرةُ: المنعُ أيضًا؛ أي: لا يعاوَنون ولا يُمنعون عن أيدي المعذِّبين، وهذا للكافرين، فأمَّا المؤمنون فقد قال في حقِّهم: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} غافر: ٥١.
ثم إنَّما جُمع هذا مع أنَّ الذي سبقه موحَّدٌ؛ لأنَّ ذاك نكرةٌ في موضع النفي، فكان للعموم، وتناوَل جميع الكفار، فجاز (١) ختمُ الآية بالجمع على المعنى.
ثم هذه الآية في نهاية البلاغة؛ فإنَّها جمعت ذكرَ الوجوه التي بها يتخلَّص العبد (٢) عن النَّكبة التي أصابته في الدنيا، وهي أربعٌ: ينوبُ عنه غيرُه في تحمُّل ما عليه، أو يفتدي بمالٍ (٣) فيتخلَّص منها، أو يَشفع له شافعٌ (٤) فيوهبُ له، أو يَنصرُه ناصرٌ فيمنعُه، فقطَع اللَّهُ عنهم جميعًا.
* * *
(٤٩) - {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}.
وقوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ}: أي: واذكروا أيضًا إذ خلَّصناكم، وقد نَجا يَنجو نجاةً، وأنجاهُ اللَّه إنجاءً، ونجَّاه تنجيةً.
وقيل: أنجاه؛ أي: خلَّصه قبل وقوعه في المهلَكة، ونجَّاه بعد وقوعه فيها، قال تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ}، وهو قبل الوقوع، وقال هاهنا: {نَجَّيْنَاكُمْ}، وهو بعد الوقوع. وهذا ضعيفٌ؛ فإنَّه قال: {نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ
(١) في (ف): "فجاء".
(٢) في (ف): "المرء".
(٣) في (أ): "بماله".
(٤) في (أ): "أو يتشفع له شفيع".