وقال عطاء: كان عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عيينة بن حصن بن بدر الفزاريُّ، وهو في الحِجْر، فدخل عليه ابن أمِّ مكتوم. . . القصَّة.
وقال الحكم بن عتيبة: ما عبس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد نزول هذه الآية في وجه فقيرٍ، وما تصدَّى لغنيٍّ حتى لقي اللَّه (١).
وروي أنَّه كان يبسط لابن مكتومٍ رداءَه إذا جاءَه، ويقول: "مرحبًا بمن عاتبني فيه ربِّي" (٢).
وقالوا: إنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان قصدُه من ذلك إعزازَ الدِّين واستمالةَ قلوب المشركين، وكان الأعمى يقطع عليه كلامه، وهو نوعُ سوءِ أدبٍ، فكان العبوس في موضع التَّأديب، ولكن لَمَّا كان يقع عند الضُّعفاء ظاهرًا أنَّه تقديم الغنيِّ على الفقير، والصَّحيحِ على الضَّرير، فتنكسرُ بذلك قلوبُهم، عاتبَه اللَّه تعالى في ذلك؛ تقويةً للضُّعفاء، وتطييبًا لقلوب الفقراء.
* * *
(١ - ٧) - {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى}.
قوله تعالى: {عَبَسَ}؛ أي: كلحَ محمَّدٌ {وَتَوَلَّى}؛ أي: أعرضَ.
وهذا تشريفٌ للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذكرِه على صيغة المغايبة، وهي فوق المخاطبة.
(١) في (أ): "لحق باللَّه" بدل من "لقي اللَّه". ورد في عدة تفاسير دون نسبة ولا عزو. منها: "لطائف الإشارات" للقشيري (٣/ ٦٨٧)، و"الكشاف" للزمخشري (٤/ ٧٠١)، و"مدارك التنزيل" للنسفي (٣/ ٦٠٢).
(٢) أورده مكي بن أبي طالب في تفسيره المسمى، "الهداية إلى بلوغ النهاية" (١٢/ ٨٠٥٣) عن سفيان الثوري. وذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ١٣١) دون عزو.