و {ثُمَّ} لترتيب الإخبار عنه، لا لترتيب الوجود؛ أي: ثم أُخبرُكم أنَّ هذا لمن كان مؤمنًا، وهو كقول الشَّاعر:
إنَّ مَنْ سادَ ثمَّ سادَ أبوه... ثم قد ساد قبلَ ذلكَ جَدُّه (١)
وقوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}: عطف على قوله: {آمَنُوا}؛ أي: مَن كان من المؤمنين الذين يوصِي بعضُهم بعضًا بالصَّبر على الطَّاعة وعن المعصية في المحنة.
{وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}: أي: بالرَّحمة على خلق اللَّه تعالى.
{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}: أي: اليمن والخير والسَّعادة.
وقيل: أصحاب اليمين الذين يُعطَون كتبَهم بأيمانهم، ويُسلَك بهم طريق اليمين إلى الجنَّة.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ}: أي: الشُّؤم والشَّرِّ والشَّقاوة.
وقيل: هم أصحاب الشَّمال الذين يُعطَون كتبَهم بشمائلهم، ويُسلَكُ بهم شمالًا إلى النَّار.
{عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ}: أي: مُطبَقة، فلا يَخلُص إليهم رَوحٌ، ولا يخفَّف عنهم كرب.
قرأ حمزة والكسائيُّ وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: {مُؤْصَدَةٌ} بالهمزة، والباقون بغير همز (٢)، وهما لغتان: آصدْتُ الباب وأوصدْتُه، والبابُ إصادٌ ووِصاد.
* * *
(١) البيت لأبي نواس من قصيدة في مدح إبراهيم بن عبيد اللَّه الحجبي. انظر: "ديوانه" (ص: ١٥٤)، و"الأزمنة والأمكنة" للمرزوقي (ص: ٣٦)، و"الهداية" لمكي بن أبي طالب (٣/ ١٩٥٩)، وروايته في هذه المصادر: (قل لمن ساد. . .).
(٢) انظر: "السبعة في القراءات" لابن مجاهد (ص: ٦٨٦)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢٣).