كساء من وبر الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعَتْ عينا رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا أبصرها، فقال: "يا ابنتاه، تحمَّلي مرارة الدُّنيا لحلاوة الآخرة، فقد أنزل اللَّه تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} " (١).
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}: استفهام بمعنى التَّقرير؛ أي: قد وجدَكَ؛ أي: علِمَكَ ورآك.
يبيِّن أنَّه قد تولَّاه وكفاه، وكلَّ خير أعطاه، من مبتدأ أمرِه إلى منتهاه، فكيف يكون وَدَعَه وقلاه؟
وكان يتمُهُ: أنَّ أباه عبد اللَّه بن عبد المطَّلب توفِّي ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بطن أمِّه، وماتَتْ أمُّه وهو رضيع، ومات عبد المطَّلب جدُّه وهو صبيّ، فآواه اللَّه تعالى بأبي طالب، وكان يَبرُّه ويحسنُ إليه إلى أن أوحى اللَّه إليه، وكان ينصرُه ويذبُّ عنه.
* * *
(٧ - ٨) - {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}.
{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}: أي: غير واقفٍ على وظائف العبادة.
{فَهَدَى}: أي: علَّمك اللَّهُ تعالى، وبيَّنَ الشَّرائع.
ولا يجوز أن يُفْهَم من هذه اللَّفظة عدولٌ عن حقٍّ، ووقوع في غيٍّ، وقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أوَّل حاله إلى نزول الوحي إليه معصومًا عمَّا يفعله المشركون من عبادة الأوثان، وقاذورات أهل الفسق والعصيان.
(١) ذكره عن الصادق الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٢٢٥).
ورواه العسكري في "المواعظ" وابن مردويه وابن لال وابن النجار عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، كما في "الدر المنثور" للسيوطي (٨/ ٥٤٣). وسنده ضعيف كما قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (ص: ١٥٨٩).