لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} النحل: ٤٠ أي: لمَّا أردنا ذلك صاروا كما أردنا، مِن غير امتناعٍ ولا لُبْثٍ، وهو كقوله تعالى: {كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} النساء: ٤٧، وقولِه: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الأنبياء: ٦٩، وهو من قول القائل منَّا: أمرتُ بكذا، وكان (١) كما أمرتُ به؛ إظهارًا منه لعظَمتِه ونَفاذِ أمرِهِ ومشيئته.
والدليلُ على أنَّه تكوينٌ أنَّه قال: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا} وهو ذلك الأول.
والقردةُ جمعُ قردٍ، كالفيلَة جمعُ فيل، والدِّيكةِ جمعُ ديك.
وقوله: {خَاسِئِينَ} أي: صاغرين مبعَدين مطرودين، كالكلب إذا دنا من الناس، قيل له: اخسأ؛ أي: تَباعَد وانطِردْ صاغرًا، وقوله: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا} الملك: ٤ أي: صاغرًا ممنوعًا عن مُعاودة النَّظر، وقد خسأتُ الكلبَ فخسأ، لازمٌ ومتعدٍّ.
وقيل: أي: ساكتين لا يتكلَّمون، كما في قوله تعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}.
وقال مجاهد: لم يكن هذا مسخَ الأبدان، بل كان مسخَ القلوب.
وفي روايةٍ قال: لم يمسخوا قردةً، وإنَّما هذا مَثَلٌ صوَّرهُ اللَّهُ تعالى (٢) لهم، كما قال: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} الجمعة: ٥ (٣).
قال القفَّال: ومَن قال بهذا جعلَه كقولِ الرَّجل لرجُلٍ: لا تَنظرْ فِي العلم، ولا تُجالس أهلَه (٤)، اذهب فكن حمارًا؛ أي: شبيهَ حمار، قال الشاعر:
(١) في (أ): "فكان".
(٢) في (أ): "ضربه لهم" بدل من "صوره اللَّه تعالى".
(٣) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ١٣٣) (٦٧٢).
(٤) في (أ): "أهل العلم".