وقد ينتهِج مثلَ هذا في القراءات:
- ففي تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} العنكبوت: ٥٠، قال: وقرأ ابن كثير، وعاصمٌ في رواية أبي بكرٍ، وحمزةُ والكسائيُّ: {آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ}، وقرأ الباقون: {آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ}.
استدل المؤلف لكلِّ قراءة بما يوافقها من الآيات، فعقَّب قراءة الجمع بقوله: لأنهم كانوا يقترحون آيات كما قال: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الإسراء: ٩٠ الآيات.
ثم عاد إلى القراءة الأولى فقال: ومَن وحَّد فهو للجنس فيؤدِّي معنى الجمع، وهو كقوله: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} الأنبياء: ٥.
- ومثله عند قوله تعالى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} الحجر: ٤٠ قال: مَن قرأ بفتح اللَّام فمعناه: إلَّا عبادَك الَّذين أخلَصْتَهم بتوفيقِكَ وعصَمْتَهم مِن فِتنتي، مِن قولِه: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} ص: ٤٦.
ومَنْ قرأ بكسرها (١) فمعناه: إلَّا عبادَك الذين أخلَصُوا أعمالَهم لكَ، مِن قولِه: {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} النساء: ١٤٦.
فهذه بعضُ الأمثلةِ من تفسيرِ القرآنِ بالقرآن، ذكرناها على سبيل البيان لا الاستقصاء، فالكتابُ كلُّه على هذا النحو، وهو كما ذكرْنا مما تميَّز به هذا التفسير، لكنه تميَّز بسمةٍ أخرى لا تقلُّ عنه أهميَّةً، وهي:
٢ - التفسير بالمأثور في تفسير "التيسير":
وهذا الجانبُ من التفسيِر لا يقلُّ أهميةً عن الذي قبلَه، بل إنَّ هذا الكتابَ ليُعدُّ
(١) قرأ الكوفيون ونافع بفتح اللام، والباقون بكسرها.