القليل فقد نفى في الكثير، فذكر في آخرِ هذه الآية الامتناعَ منهم عن الإيمان، وفي الآيةِ التي تَليها الكفرَ بعد الإيمان.
* * *
(٨٩) - {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}.
وقوله (١) تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} هو القرآن، وهو موافقٌ للكتاب الذي معهم، وهو التَّوراة؛ في التَّوحيد والطَّاعة والأخبار.
وسببُ نزوله ما رويَ أنَّ معاذَ بن جبلٍ رضي اللَّه عنه قال لأهل الكتاب: إنَّكم فيما سلفَ كنتم تَستنصرونَ برسولِنا محمَّد عليه الصلاة والسلام على أعدائِكم، فما لكم أدرَكتموهُ فلم تؤمنوا به؟ فقالوا: ليس هذا بذلك النبيِّ. فنزلت الآية (٢).
وقوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} قال ابنُ عبَّاسٍ وأبو العالية: أي: يَستنصِرون (٣)، يقال: استفتحَ اللَّه؛ أي: استَنصرَهُ، ففَتح عليه؛ أي: نَصرَه، قال اللَّه تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} الأنفال: ١٩.
وذكر قتادةُ وأبو العالية والسُّدِّيُّ أنَّه كان إذا اشتدَّت الحربُ بينهم وبين مشركين العرب، أخرجوا التَّوراة ووَضعوا أيديَهم على موضعِ ذكر النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقالوا: اللهمَّ
(١) في (أ): "وذلك قوله".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٢٣٧ - ٢٣٨)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ١٧٢) (١٩٥) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٣) روى قوليهما الطبري في "تفسيره" (٢/ ٢٣٨، ٢٣٩).