وقيل في قوله: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} وجهان آخران سوى ما ذكرنا بديًّا:
أحدهما: أنَّ قوله: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} موصولٌ بقوله: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ}؛ أي: تَجدُ هؤلاء اليهود، وتجِدُ أيضًا مِن الذين أشركوا؛ أي: بعض المشركين، فإنَّ "مِن" كلمة تبعيض؛ وهو تسويةٌ بينهم وبين المشركين في حرصِ الحياة، وهو ذمٌّ لهم، وتسويةٌ بين مَن يُقِرُّ بالبعث وبين مَن لا يُقِرُّ به في هذه الصفةِ المذمومة.
والثاني: {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} مبتدأٌ، وجوابُه: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ}؛ أي: مَن يَودُّ، وكلمةُ "مَن" مضمرة؛ كما في قولِه: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ} أي: مَن يحرِّفون، وقولِه: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} النساء: ١٥٩ أي: مَن ليؤمننَّ به، وقال الشاعر:
فظلُّوا ومِنْهُم دمْعُهُ سابقٌ لهُ... وآخرُ يُجْرِي دمعةَ العينِ بالمَهْلِ (١)
أي: ومنهم مَن دمعُهُ.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي: يَرى أعمالَهم مِنَ الكفرِ والمعاصي، لا يَخفى عليه شيءٌ، فيُجازيهم بالخِزْيِ والذُّلِّ في الدُّنيا، والعقوبةِ في العُقبى.
وقراءة العامَّة بياءِ المغايبة، وقرأ يعقوبُ بتاء المخاطبة (٢).
* * *
(٩٧) - {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
(١) البيت لذي الرمة، وهو في "ديوانه" (١/ ١٤١)، وفيه: "يَثني" بدل: "يجري".
(٢) انظر "النشر" لابن الجزري (٢/ ٢١٩).