وهو باطلٌ؛ لأنَّه لو كان كذلك لزالَ موضعُ الاحتجاج عليهم بقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} النحل: ١٠٣؛ إذ كان لهم أن يقولوا: أُنْزِل على لسان العجم، لكنَّه غيَّر ذلك بلسانه، وقال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} القيامة: ١٦؛ أي: مخافةَ النِّسيان والذَّهاب، وقال: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} طه: ١١٤، فدلَّت هذه الآيات على بُطلانِ قولِهم، وفسادِ مذهبهم، وبعدهم عن دين اللَّه المستقيم (١).
وقوله تعالى: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي: موافقًا لما قبلَه من كتب الأنبياء، قاله ابن عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما (٢).
وقوله تعالى: {وَهُدًى} أي: هاديًا للمؤمنين، على معنى أنَّ النفع يقعُ لهم؛ كما قال: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} البقرة: ٢.
وقيل: أي: للكلِّ على العموم، ومعناه: أنَّه دالٌّ مرشِدٌ لهم.
وقوله تعالى: {وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: مبشِّرًا للمؤمنين على الخصوص، وهما مصدران بمعنى الفاعل، وإعرابُهما النَّصبُ عطفًا على قوله: {مُصَدِّقًا}، وكلُّه نصب؛ لأنَّه حالٌ، أو مفعولٌ ثانٍ لقوله تعالى: {نَزَّلَهُ}.
وقيل: ذَكَر اليهود أنَّهم يُبغِضُون جبريل؛ لأنَّه كان مأمورًا بإنزال الوحيِ على أولاد إسرائيل، فأنزلَهُ في أولاد إسماعيل.
وقال ابنُ عبَّاسٍ وشهرُ بن حَوْشب والشَّعبيُّ وقتادةُ: إنَّهم قالوا: إنَّ جبريلَ لا
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (١/ ٥١٧ - ٥١٨).
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٢٩٩)، وابن أبي حاتم (١/ ١٨٠) (٩٥٧).