وضع الذي موضع الذين، ولم يجز وضع القائم موضع القائمين ولا نحوه من الصفات أمران:
أحدهما: أنّ «الذي» لكونه وصلة إلى وصف كل معرفة بجملة، وتكاثر وقوعه في كلامهم، ولكونه مستطالا بصلته، حقيق بالتخفيف، ولذلك نهكوه بالحذف فحذفوا ياءه ثم كسرته ثم اقتصروا به على اللام وحدها في أسماء الفاعلين والمفعولين. والثاني: أن جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون. وإنما ذاك علامة لزيادة الدلالة. ألا ترى أن سائر الموصولات لفظ الجمع، والواحد فيهن واحد. أو قصد جنس المستوقدين. أو أريد الجمع أو الفوج الذي استوقد نارا. على أنّ المنافقين وذواتهم لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد إنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ونحوه قوله: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) ، وقوله: (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) .
ووقود النار: سطوعها وارتفاع لهبها. ومن أخواته: وقل في الجبل إذا صعد وعلا، والنار:
جوهر لطيف مضيء حارّ محرق. والنور: ضوءها وضوء كل نير، وهو نقيض الظلمة.
واشتقاقها من نار ينور إذا نفر لأنّ فيها حركة واضطرابا، والنور مشتق منها. والإضاءة:
فرط الإنارة. ومصداق ذلك قوله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) ، وهي في الآية متعدية. ويحتمل أن تكون غير متعدية مسندة إلى ما حوله. والتأنيث للحمل على المعنى لأنّ ما حول المستوقد أماكن وأشياء. ويعضده قراءة ابن أبى عبلة (ضاءت) . وفيه وجه آخر، وهو أن يستتر في الفعل ضمير النار. ويجعل إشراق ضوء النار حوله بمنزلة إشراق النار نفسها، على أنّ ما مزيدة أو موصولة في معنى الأمكنة. وحَوْلَهُ نصب على الظرف وتأليفه للدوران والإطافة. وقيل للعام: حول لأنه يدور. فإن قلت: أين جواب لما؟
قلت: فيه وجهان: أحدهما أن جوابه ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ. والثاني: أنه محذوف كما حذف في قوله: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) . وإنما جاز حذفه لاستطالة الكلام مع أمن الإلباس للدالّ عليه، وكان الحذف أولى من الإثبات لما فيه من الوجازة، مع الإعراب عن الصفة التي حصل عليها المستوقد بما هو أبلغ من اللفظ في أداء المعنى، كأنه قيل: فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا خابطين في ظلام، متحيرين متحسرين على فوت الضوء، خائبين بعد الكدح في إحياء النار.
فإن قلت: فإذا قدّر الجواب محذوفا فبم يتعلق (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) ؟ قلت: يكون كلاما مستأنفاً. كأنهم لما شبهت حالهم بحال المستوقد الذي طفئت ناره، اعترض سائل فقال:
ما بالهم قد أشبهت حالهم حال هذا المستوقد؟ فقيل له: ذهب اللَّه بنورهم. أو يكون بدلا من