قوله عز وجل:
سورة التوبة (٩) : الآيات ٨٨ الى ٩٠
لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩) وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠)
الأكثر في لكِنِ أن تجيء بعد نفي، وهو هاهنا في المعنى، وذلك أن الآية السالفة معناها أن المنافقين لم يجاهدوا فحسن بعدها «لكن الرسول والمؤمنون جاهدوا» ، والْخَيْراتُ جمع خيرة وهو المستحسن من كل شيء، وكثر استعماله في النساء، فمن ذلك قوله عز وجل: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ الرحمن: ٧٠ ومن ذلك قول الشاعر أنشده الطبري: الكامل ربلات هند خيرة الملكات والْمُفْلِحُونَ الذين أدركوا بغيتهم من الجنة، والفلاح يأتي بمعنى إدراك البغية، من ذلك قول لبيد: الرجز
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض ... عف وقد يخدع الأريب
ويأتي بمعنى البقاء ومن ذلك قول الشاعر: المنسرح
لكل همّ من الهموم سعه ... والمسى والصبح لا فلاح معه
أي لا بقاء.
قال القاضي أبو محمد: وبلوغ البغية يعم لفظة الفلاح حيث وقعت فتأمله، وأَعَدَّ معناه يسر وهيأ، وقوله مِنْ تَحْتِهَا يريد من تحت مبانيها وأعاليها، والْفَوْزُ حصول الإنسان على أمله، وظفره ببغيته، ومن ذلك فوز سهام الأيسار.
وقوله تعالى: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ الآية، اختلف المتألون في هؤلاء الذي جاءوا هل كانوا مؤمنين أو كافرين، فقال ابن عباس وقوم معه منهم مجاهد: كانوا مؤمنين وكانت أعذارهم صادقه، وقرأ «وجاء المعذرون» بسكون العين، وهي قراءة الضحاك وحميد الأعرج وأبي صالح وعيسى بن هلال. وقرأ بعض قائلي هذه المقالة «المعذّرون» بشد الذال، قالوا وأصله المتعذرون فقلبت التاء ذالا وأدغمت.
ويحتمل المعتذرون في هذا القول معنيين أحدهما المتعذرون بأعذار حق والآخر أن يكون الدين قد بلغوا عذرهم من الاجتهاد في طلب الغزو معك فلم يقدروا فيكون مثل قول لبيد:
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر