وقال قتادة وفرقة معه: بل الذين جاءوا كفرة وقولهم وعذرهم كذب، وكل هذه الفرقة قرأ «المعذّرون» بشد الذال، فمنهم من قال أصله المتعذرون نقلت حركة التاء إلى العين وأدغمت التاء في الذال، والمعنى معتذرون بكذب، ومنهم من قال هو من التعذير أي الذين يعذرون الغزو ويدفعون في وجه الشرع، فالآية إلى آخرها في هذا القول إنما وصفت صنفا واحدا في الكفر ينقسم إلى أعرابي وحضري، وعلى القول الأول وصفت صنفين: مؤمنا وكافرا، قال أبو حاتم: وقال بعضهم سألت مسلمة فقال «المعذّرون» بشد العين والذال، قال أبو حاتم: أراد المعتذرين والتاء لا تدغم في العين لبعد المخارج وهي غلط عنه أو عليه، قال أبو عمرو: وقرأ سعيد بن جبير «المعتذرون» بزيادة تاء، وقرأ الحسن بخلاف عنه وأبو عمرو ونافع والناس «كذبوا» بتخفيف الذال، وقرأ الحسن وهو المشهور عنه وأبي بن كعب ونوح وإسماعيل «كذّبوا» بتشديد الذال، والمعنى لم يصدقوه تعالى ولا رسوله وردوا عليه أمره، ثم توعد في آخر الآية الكافرين ب عَذابٌ أَلِيمٌ، فيحتمل أن يريد في الدنيا بالقتل والأسر.
ويحتمل أن يريد في الآخرة بالنار، وقوله: مِنْهُمْ يريد أن المعذرين كانوا مؤمنين ويرجحه بعض الترجيح فتأمله، وضعف الطبري قول من قال إن المعذرين من التعذير وأنحى عليه، والقول منصوص ووجهه بين والله المعين، وقال ابن إسحاق «المعذرون» نفر من بني غفار منهم خفاف بن إيماء بن رحضة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يقتضي أنهم مؤمنون.
قوله عز وجل:
سورة التوبة (٩) : الآيات ٩١ الى ٩٢
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢)
يقول تعالى ليس على أهل الأعذار الصحيحة من ضعف أبدان أو مرض أو زمانة أو عدم نفقة إثم، و «الحرج» الإثم، وقوله: إِذا نَصَحُوا يريد بنياتهم وأقوالهم سرا وجهرا، وقرأ حيوة «نصحوا الله ورسوله» بغير لام وبنصب الهاء المكتوبة، وقوله تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ الآية، في لائمة تناط بهم أو تذنيب أو عقوبة، ثم أكد الرجاء بقوله: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقرأ ابن عباس «والله لأهل الإساءة غفور رحيم» .
قال القاضي أبو محمد: وهذا على جهة التفسير أشبه منه على جهة التلاوة لخلافه المصحف، واختلف فيمن المراد بقوله: الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ، فقالت فرقة: نزلت في بني مقرن.
قال القاضي أبو محمد: وبنو مقرن ستة إخوة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وليس في الصحابة ستة إخوة غيرهم، وقيل كانوا سبعة، وقيل نزلت في عبد الله بن مغفل المزني، قاله ابن عباس، وقوله