هذا ابتداء وصف حال المؤمنين في جدهم في دين الله وحرصهم على ظهوره وحال المنافقين من الكسل والفشل والحرص على فساد دين الله وأهله، وذلك أن المؤمنين كان حرصهم يبعثهم على تمني الظهور وتمني قتال العدو وفضيحة المنافقين ونحو ذلك مما هو ظهور للإسلام، فكانوا يأنسون بالوحي ويستوحشون إذا أبطأ، والله تعالى قد جعل ذلك بآماد مضروبة وأوقات لا تتعدى، فمدح الله المؤمنين بحرصهم. وقولهم: لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ معناه: تتضمن إظهارنا وأمرنا بمجاهدة العدو ونحوه. ثم أخبر تعالى عن حال المنافقين عند نزول أمر القتال.
وقوله: مُحْكَمَةٌ معناه: لا يقع فيها نسخ، وبهذا الوجه خصص السورة بالأحكام، وأما الإحكام الذي هو بمعنى الإتقان، فالقرآن فيه كله سواء. وقال قتادة: كل سورة فيها القتال فهي محكمة، وهو أشد القرآن على المنافقين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أمر استقرأه قتادة من القرآن، وليس من تفسير هذه الآية في شيء.
وفي مصحف ابن مسعود: «سورة محدثة» . والمرض الذي في القلوب: استعارة لفساد المعتقد وحقيقة الصحة والمرض في الأجسام، وتستعار للمعاني، ونظر الخائف الموله قريب من نظر الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ، وخسسهم هذا الوصف والتشبيه.
وقوله تعالى: فَأَوْلى لَهُمْ الآية، «أولى» : وزنه أفعل، من وليك الشيء يليك. وقالت فرقة وزنه:
أفلع، وفيه قلب، لأنه مشتق من الويل، والمشهور من استعمال «أولى» : أنك تقول: هذا أولى بك من هذا، أي أحق، وقد تستعمل «أولى» فقط على جهة الحذف والاختصار لما معها من القول، فتقول على جهة الزجر والتوعد: أولى لك يا فلان، وهذه الآية من هذا الباب، ومنه وقوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى القيامة: ٣٤- ٣٥ ، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه للحسن: أولى لك. وقالت فرقة من المفسرين: «أولى» رفع بالابتداء. و: طاعَةٌ خبره.
قال القاضي أبو محمد: فهذا هو المشهور من استعمال «أولى» .
وقالت فرقة من المفسرين: أولى لَهُمْ ابتداء وخبر، معناه: الزجر والتوعد. ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى قوله: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فقال بعضها، التقدير: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ أمثل، وهذا هو تأويل مجاهد ومذهب الخليل وسيبويه، وحسن الابتداء بالنكرة لأنها مخصصة، ففيها بعض التعريف.
وقال بعضها التقدير: الأمر طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ، أي الأمر المرضي لله تعالى. وقال بعضها التقدير قولهم لك يا محمد على جهة الهزء والخديعة طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فإذا عزم الأمر كرهوه، ونحو هذا من التقدير قاله قتادة. وقال أيضا ما معناه: إن تمام الكلام الذي معناه الزجر والتوعد ب «أولى» . وقوله لَهُمْ