مُحْتَلِمٍ" يعنِي: وُجُوبَ سُنَّةٍ، والدَّلِيلُ على أنَّهُ سنُةٌ تَرْكُ عُثمَانَ بنِ عفَّانَ لَهُ وإتْيَانُه إلى الجُمُعَةِ بغَيْرِ غُسْلٍ، ولو كَانَ كَغُسْلِ الجَنَابَةِ في الوُجُوبِ ما تَرَكَهُ عُثْمَانُ، ولا سَمَحَ لَهُ عُمَرُ في تَرْكِه إيَّاهُ، غيرَ أنَّهُ في العُمُومِ كَعُمُومِ غُسْلِ الجَنَابَةِ.
قالَ مَالِكٌ: لا بَأْسَ بِكَلاَمِ الإمَامِ في الخُطْبَةِ بأمْرٍ يَأْمُرُ به أو يَنْهَى عنهُ.
قالَ أبو المُطَرِّفِ: مَن اغْتَسَلَ يَوْمُ الجُمُعَةِ وَهُو نَاسٍ لِجَنَابةٍ لم يُجْزِ غُسْلُ الجُمُعَةِ عَنْ غُسْلِ الجَنَابَه؛ لأنَّ غُسْلَ الجُمُعَةِ ليسَ هو لِرَفْعِ حَدَثٍ، وإنَّما هُو للنَّظَافَةِ، وغُسْلُ الجَنَابَةِ هُو لِرَفْعِ حَدَثٍ، وليسَ حُكْمُ الغُسْلِ هَهُنا كَحُكْمِ الوُضُوءِ الذي مَنْ تَوضَّأ لِنَافِلَةٍ فإنَّهُ يُصَلِّي به مَكْتُوبةً، وذَلِكَ أنَّ الغُسْلَ يَتَنَّوعُ، فَيَكُونُ للجَنابةِ وللجُمُعَةِ، وإحَرْامٍ، ولِدُخُولِ مَكَّةَ، والوُضُوءِ لا يَتَنوُّعُ، إنَّما هو لِدَفْعِ حَدَثٍ كَانَ لِنَافِلَةٍ أو فَرِيضَةٍ.
وقالَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ: إنَّ غُسْلَ الجُمُعَةِ يُجْزِي عَنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ إذا لم يَذْكُر الجُنُبُ جَنَابَتَهُ حينَ اغْتَسَلَ للجُمُعَةِ، وقدْ تَنُوبُ السُّنَّةُ عَنِ الفَرِيضَةِ، كَرَجُلٍ غَسَلَ بَعْضَ وَجْهِه، أو بَعْضَ ذِرَاعَيْهِ في الغُسْلَةِ الأُولَى مِنْ وُضُوئهِ، ثُمَّ أَعَمَّ ذَلِكَ بالمَاءِ في المَرَّةِ الثَّانِيةِ التي هي سُنَّةٌ في الوُضُوءِ.
قالَ أبو المُطَرِّفِ: وليسَ هُو كَما قالَ؛ لأنَّ الوُضُوءَ فَرْضٌ مِنْ جِهَةِ العُمُومِ لا مِنْ جِهَةِ العَدَدِ، وقد أَجْمَعَ مَالِكٌ وأَصْحَابُه على أنَّ مَنِ اغْتَسَلَ يومَ الجُمُعَةِ للجَنَابَةِ ولمْ يَنْوِ به غُسْلَ الجُمُعَةِ أنَّ غُسْلَ الجَنَابَةٍ لا يَنُوبُ عَنْ غُسْلِ الجُمُعَةِ، فإذا لم يُنِبْ (١) الفَرْضُ عَنِ السُّنَّةِ، فالسُّنَّةُ أَحْرَى أنْ لا تَنُوبُ عَنِ الفَرْضِ.
قالَ ابنُ القَاسِمِ: مَنْ أَتَى الجُمُعَةَ ولمْ يَغْتَسِلْ فإنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِد إذا كَانَ الوَقْتُ وَاسِعًا ثُمَّ يَغْتَسِلُ للجُمُعَةِ.
* قالَ ابنُ كِنَانَةَ: إنَّما تَرَكَ عُمَرُ عُثْمَانَ ولمْ يَأْمُرْهُ بالغُسْلِ مِنْ أَجْلِ ضِيقِ الوَقْتِ، ولَو كَانَ فيه سَعَةً لَرَدَّهُ يَغْتَسِلُ.
(١) جاء في الأصل: (ينوب)، وهو خطأ.