* قالَ أبو المُطَرِّفِ: روَى يحيَى عَنْ مَالِكٍ أنه قال (١): "مَنِ اغْتَسَلَ يومَ الجُمُعَةِ أَوَّلَ نَهَارِه -وَهُو يُرِيدُ بذَلِكَ غُسْلَ الجُمُعَةِ- فإن ذَلِكَ الغُسْلَ لا يَجْزِي عنهُ"
ورَوى غيرُ يحيى عَنْ مَالِكٍ وَهُو لا يُرِيدُ بذلِكَ غُسْلَ الجُمُعَةِ.
قالَ أبو عُمَرَ: مَعْنَى رِوَايةُ يحيى: أنَّهُ اغْتَسَلَ للجُمُعَةِ ثُمَّ تَرَكَ الرَّوَاحِ واشْتَغَلَ، ثُمَّ رَاحَ إلى الجُمُعَةِ فَلذَلِكَ لم يُجْزِه غُسْلُه إذا لم يَتَّصِلْ غُسْلُه بِرَوَاحِه، ومَعَنى رِوَايةُ غيرِ يَحْيىَ أنَّهُ اغْتَسَلَ بِغَيْرِ نِيَّهِ، فَلِذَلِكَ لم يُجْزِه.
روَى ابنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّنَادٍ، عَن الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ, أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "إذا قُلْتَ لِصَاحِبكَ: أَنْصِتْ فقدْ لَغَوْتَ" (٢)، يُرِيدُ بِذَلِكَ: والإمامُ يَخْطُبُ.
قالَ أبو المُطَرِّفِ: خَلَطَ يحيى بنُ يَحْيىَ هَذا الحَدِيثَ في رِوَايَتِه عَنْ مَالِكٍ، وجَعَلَ قَوْلَهُ: (يُرِيدُ بذَلِكَ والإمامُ يَخْطُبُ) مِنْ نَفْسِ الحَدِيثِ، وإنَّما هُو تَفْسِيرٌ في الحَدِيثِ، كَمَا رَوَاهُ اَبنُ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ (٣).
ورَوى الأَعْمَشُ عَنْ أبي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "مَنْ تَوضَّأ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ فاسْتَمَعَ وأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وبينَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى، ومَنْ مَسَّ الحَصَا فقدْ لَغَى" (٤) يعني بذَلِك: أنَّهُ مَنِ اشْتَغَلَ بالعَبَثِ بِحَصَى المَسْجِدِ عَنِ الاسْتِمَاعِ إلى الخُطْبَةِ فقدْ لَغَى، وإن كَانَ بَعِيدًا مِنَ الإمَامِ، وذَلِكَ أنَّ للمُنْصِتِ الذي لا يَسْمَعُ مِنَ الأَجْرِ مثلَ ما لِلْمُنْصِتِ السَّامِعِ، فمنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ عَنِ الإسْتِمَاعِ فقدْ لَغَا.
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) موطأ مالك برواية ابن بكير، الورقة (٢٨ ب) من نسخة تركيا.
(٣) ينظر: التمهيد ١٩/ ٢٩.
(٤) رواه مسلم (٨٥٧)، وأبو داود (١٠٥٠)، والترمذي (٤٩٨)، وابن ماجه (١٠٩٠)، بإسنادهم إلى الأعمش به.