صَرَفَهُم في صُلْبِ آَدَمَ بعدَ أَنْ عَرَفُوا أَنَّهُ رَبّهُم، فَكُلّ مَوْلُودٍ إنَّما يُوَلَدُ على تِلْكَ المَعْرِفَةِ، وعلى ذَلِكَ الإقْرَارِ.
وقَوْلُهُ في الحَدِيثِ: "فَأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِه أو يُنَصِّرَانهِ" يعنِي: يَجْعَلَانِه نَصْرَانِيَّاً أو يَهُودِيَّا إنْ كَانَا يَهُودِيَيْنِ أَو نَصْرَانِيَيْنِ.
قالَ مَالِكٌ: ولَنْ يَقْدِرُوا على ذَلِكَ إلَّا بِتَسْلِيطٍ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَبَاهُمَا على ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: "كَمَا تُنَافيُ الإبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ" يعْنِي: بَهِيمَةً جَمَعَتْ وَلَدَهَا في بَطْنِهَا.
وقَوْلُهُ: "هَلْ تَحِسُّ مِنْ جَدْعَاءَ؟ " يَعْنِي: هَلْ تَرَى فِيهِنَّ مَجْدُوعًا؟ والجَدْعُ: النُّقْصَانُ حتَّى يَجْدَعَهُ صَاحِبُهُ، فَكَذَلِكَ المَوْلُودُ يُولَدُ على فِطْرَةِ الإسْلَامِ حتَّى يَصْرِفَهُ عَنْهَا أَبَوَاهُ.
قِيلَ لِمَالِكٍ: إنَّ أَهْلَ البدَعِ يَحْتَجّونَ عَلَيْنَا بهذَا الحَدِيثِ يَقُولُونَ: إنَّ مَعَاصِي العِبَادِ لَيْسَتْ مَقْدُورَة للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ: "فأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ" قالَ مَالِكٌ: احْتَجُّوا عَلَيْهِم بآخِرِ الحَدِيثِ: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" يعنِي: أنَّ هذَا كُلَّهُ قدْ قَضَى اللهُ بهِ وعَلِمَهُ، ولا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألونَ (١).
* قَوْلُهُ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَمُرَّ الرَّجُلِ بقَبْرِ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يا لَيْتَنِي مَكَانَهُ" ٨٢٤ مَعْنَاهُ: أنَّ الحَيَّ يَتَمَنَّى المَوْتَ مِنْ شِدَّةِ الحَالِ، وتَغْيِيرِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَيَتَمنَّى الرَّجُلُ الصَّالِحُ عندَ ذَلِكَ المَوْتَ، طَمَعًا مِنْهُ في الرَّاحَةِ مِمَّا يَرَاهُ فَلَا يَقْدِرُ على تَغيِيرِه.
* قَوْلُهُ - عليهِ السَّلَامُ - لِعُثْمَانَ بنِ مَظْعُونَ حِينَ مَاتَ: "ذَهَبْتَ ولَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بشَيءٍ" ٨٢٦، يعنِي: خَرَجْتَ مِنَ الدُّنيا "ولَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بشَيءٍ"، فَغَبَطَهُ النبيُّ بَذَلِكَ، فتَرْكُ الدُّنيا والأَخْذُ مِنْهَا بالبُلْغَةِ خَيْرٌ مِنَ الإسْتِكثَارِ مِنْهَا، والرَّغْبةِ فِيهَا،
(١) نقله بنحوه الجوهري في مسند الموطأ ص ٤٤٥.