وغَرْسُ الثِّمَارِ، والبُنْيَانُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَتْ لَهُ الأَرْضُ التي أَحْيَاهَا، ولِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِه مَالًا لَهُمْ، وتُورَثُ عَنْهُم، لأَنهمْ مَلَكُوهَا بإحْيَائِهِمْ لَهَا.
قالَ ابنُ وَهْبٍ: مَهْزُوزٌ ومُذَينيبٌ هُمَا وَادِيَانِ مِنْ أَوْدِيةِ المَدِينَةِ، يُسْقَيَانِ بالسَّيْلِ عِنْدَ نزولِ الأَمْطَارِ، وكَثْرَةِ المِيَاهِ، فإذا حَصَلَتْ بالسَّيْلِ سَقَى مِنْ ذَلِكَ المَاءِ أَهْلُ الحَوَائِطِ حَوَائِطَهُم، فَيَسْقِي الأَوَّل حَائِطَهُ حتَّى يَرْوِيهِ، وَيكُونُ المَاءُ فِيهِ كُلُّهُ إلى كَعْبيهِ، ثُمَّ يُرْسِلُ فَضْلَةَ المَاءِ إلى صَاحِبهِ الذي يَلَيهِ، فَيَفَعَلُ في حَائِطِه نَحْوَ مَا فَعَلَ الأَوَّلُ، يُعَمُّ بِذَلِكَ المَاءُ جَمِيعَ حَائِطِهِ، وَيكُونُ فِيهِ المَاءُ إلى كَعْبَيْهِ، ثُمَّ يُرْسِلُهُ إلى الذي يَلِيهِ حتَّى يَعُمَّ بِذَلِكَ المَاءَ جَمِيعَ الحِيطَانِ أَو مَا عَمَّ مِنْهَا، هَذا تَفْسِيرُ ابنِ وَهْبٍ.
وقالَ زِيَادُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ (١) عَنْ مَالِكٍ: تَفْسِيرُ قِسْمَةِ ذَلِكَ هُوَ أَنْ يُجْرِي الأَوَّل مِنْ ذَلِكَ المَاءِ في سَاقِيَةِ إلى حَائِطِهِ حتَى يَرْوِيهِ، ثُمَّ يَفْعَلُ الذي يَلِيهِ كَذَلِكَ، ثم الذي يَلِيهِ كَذَلِكَ أيضًا مَا بَقِيَ مِنَ المَاءِ شَيءٌ.
قالَ: وهَذِه السُّنَّةُ فِيهِما وفِيمَا يَشْبَهَهُمَا مِمَّا لَيْسَ لأَحَدٍ فِيهِ حَقٌّ مُعَيَّنٌ، فَالأَوَّلُ أَحَقُّ بالتَّبْدِيةِ، ثُمَّ الذي يَلِيهِ، ثُمَّ الذي يَلِيهِ، إلى آخِرِهِم رَجُلًا.
* قَوْلُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بهِ الكَلأُ" ٢٧٥٥، يُرِيدُ: لَا يُمْنَعُ مُاءُ آبَارِ المَاشِيَةِ التي في الصَّحَارِي، ومَنْ سُبقَ إليها بِمَاشِيتِهِ كَانَ أَولَى بالتَّبْدِيةِ، يَسْقِي مِنْهُ مَاشِيتَهُ، ثم لَا يَمْنَعُ فَضْلَ ذَلِكَ لِغَيْرهِ، لأَنَّهُ إذا مَنَعَ فَضْلَةً مِنْ غَيْرهِ امْتَنَعَ أَهْلُ المَوَاشِي أَنْ يَرْعَوا الكَلأَ الذي حَوْلَ المَاءِ، وذَلِكَ أَنَّ أَحَدًا لا يَرْعَى مَاشِيَتَهُ في مَكَانٍ لا يَجِدُ فِيهَا مَاءً، والكَلأُ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ.
* وقَوْلُهُ: "لا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ" ٢٧٥٦، يَقُولُ: مَنْ كَانَتْ لَهُ بِئْرٌ فِيهَا فَضْلُ مَاءٍ عَنْ سَقِي حَائِطِه، أَو زَرْعِهِ، ولَهُ جَارٌ قَد انْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِه وقَدْ زَرَعَ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْنَعُ جَارَهُ
(١) هو أبو عبد الله اللَّخمي، الملقب بشَبْطُون، سمع من مالك الموطأ، وله عنه في الفتاوى كتاب، وكان زاهدا، توفي سنة (١٩٣) وقيل بعدها، ينظر: جمهرة تراجم الفقهاء المالكية ١/ ٤٩٠.