٦ - تحليه بالتقوى وتعظيم شعائر الله. ويؤخذ ذلك أيضًا من قوله- رضي الله عنه- لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-؟
قال ابن بطال (ت: ٤٤٩ هـ) -رحمه الله-:
" إنما نفر أبو بكر أولًا، ثم زيد بن ثابت ثانيًا، لأنهما لم يجدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعله، فكرها أن يحلا أنفسهما محل من يزيد احتياطه للدين على احتياط الرسول- صلى الله عليه وسلم-". (١).
ولا شك أن ذلك من شواهد تقوى الله- تعالى- وتعظيم شعائره.
٧ - جُرأته في الحق، ويتبين ذلك من قوله لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما -: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-؟!، فلم يمنعه قول ذلك لأكبر رأسين في الأمة لمَّا ظنَّ أنهما على غير صواب، وهذا من أبين المقومات التي تؤهله للقيام بهذه المهمة الجسيمة بلا مجاملة ولا محابة لأحد أبدًا.
٨ - حرصه على الاتباع وخشيته من الابتداع وحرصه على لزوم حدوده الله، ويؤخذ ذلك من رفضه القيام بالمهمة أول الأمر وتردده في قبولها، فما لبث أن شرح الله صدره لما شرح له صدر أبي بكر وعمر- رضي الله عنهم أجمعين-.
٩ - تحمله للمسؤولية ومعرفة ضخامة المهمة وعظم شأنها وجليل قدرها، ويتبين ذلك من قوله- رضي الله عنه -: " فَوَ اللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ ".
المسألة الرابعة: الدواعي لهذا الجمع
إن جمع أبي بكر الصِّدِّيق للقُرْآن كان بسبب خشيته أن يذهب من القُرْآن شيء بذهاب حَمَلتِه؛ لأنه لم يكن مجموعًا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-. (٢)
المسألة الخامسة: مميزات جمع أبي بكر -رضي الله عنه-
أما عن مميزات هذا الجمع فيُجملها الزرقاني (ت: ١٣٦٧ هـ) -رحمه الله- في مناهله فيما يلي:
أولًا: على أدقِّ وجوه البحث والتحري، وأسلمِ أصول التثبت العلمي.
ثانيًا: اقتصر المصحف على ما لم تنسخ تلاوته.
ثالثًا: ظفر المصحف بإجماع الأمة عليه وتواتر ما فيه.
(١) - فتح الباري: (٩/ ١١).
(٢) المصاحف لابن أبي داود: (١١/ ١٦).