ويتبين ذلك من قوله: " فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-"، فما كان تردده- رضي الله عنه- وتوقفه في بادئ الأمر إلا عن رجاحة عقلٍ وإعمال فكرٍ.
٤ - ما ناله من اطمئنان وتزكية أبي بكر- رضي الله عنه- له من خلوه من الموانع القادحة كخوارم المروءة ومما يشين من الصفات، فلا تتوجس النفس منه ولا ترتاب ولا تشك فيه، وبذلك لا تلحقه أدنى تهمة قادحة في دينه تمنع من قبول عمله وأداء مهمته الجسيمة، ويستنبط ذلك من قوله له: " لا نتهمك ".
٥ - وجود الخبرة السابقة لديه في نفس المهمة التي سيقوم بها ألا وهي كتابة الوحي للنبي- صلى الله عليه وسلم، مع ما قيل واشتهر من شهوده للعرضة الأخيرة، وهي ما يشبه ما يسمى بـ" شهادة الخبرة " في عصرنا الحالي.
ذلك لأن زيدًا- رضي الله عنه- قيل أنه شهد العرضة الأخيرة بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي بيَّنَ لهم فيها ما نُسِخ من القرآن وما استقر بقاؤه، فأمَر- صلى الله عليه وسلم - بإبقاء الناسخ وتركِ المنسوخ، وقرأ-صلى الله عليه وسلم- القرآن على الحالة التي استقر عليها على زيدٍ، فكان- رضي الله عنه - يؤمُّ الناس به حتى وفاته - صلى الله عليه وسلم-.
ولاشك أن تلك ميزة تميز بها زيدٌ لم تجتمع لأحد من الصحابة- رضي الله عنهم - سواه، إلا ما كان من ابن مسعود رضي الله عنه.
ولقد روى البَغَويُّ (ت: ٥١٦ هـ) عن أبي عبدالرحمن عبد الله بن حبيب السُّلَمِي (ت: ٧٤ هـ) أنه قال:
قرأ زيد بن ثابت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في العام الذي توفاه الله فيه مرتين … إلى أن قال عن زيد بن ثابت أنه: " شهد العرضة الأخيرة، وكان يُقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كَتبة المصاحف- رضي الله عنهم أجمعين - ". (١).
"وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت، لأنه كتبها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة ". (٢)
(١) - شرح السنة: البغوي ج ٤ ص: ٥٢٥ - ٥٢٦، والبرهان للزركشي، ج ١ ص: ٢٣٧، والإتقان للسيوطي ج ١، ص ٥٩. سبق بيان عدم ثبوت شهود زيد للعرضة الأخيرة بأدلة ثابتة صحيحة .. ، ولذا يُذكر ذلك بصيغة التمريض، كما ذكرها البغوي. الباحث.
(٢) -المرشد الوجيز ص ٩٦.