قال ابن كثير (ت: ٧٧٤ هـ) -رحمه الله-:
"أي: أشبهت قلوب مشركي العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو". (١) وهؤلاء جميعًا لاشك يدخلون في الآية ضمنًا، لتشابه قلوبهم في الحقد على الإسلام وأهله ولاجتماعهم وتواطؤهم على الطعن في كتاب الله تعالى.
وممن تزعم هذا الأمر كذلك شرذمة من الزنادقة والملحدين الذين يرون أن القرآن مليء باللحن والتحريف والتغير والتبديل.
وممن تبع هذه الشرذمة على هذه المطاعن كذلك بعض طوائف الغلاة المبتدعين، وهم جميعًا يريدون بذلك حجب ضوء الشمس بأيديهم حتى لا تشرق على الدنيا، وأنى لهم ذلك وقد وصف الله تعالى هؤلاء وأمثالهم بقوله: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف: ٨)، وبقوله سبحانه: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة: ٣٢)، فـ "قوله: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) في إضافةِ النُّورِ إلى
اسمِ الجلالةِ بقولِه: (نُورَ اللَّهِ) إشارةٌ إلى أنَّ مُحاولةَ إطفائِه عَبَثٌ، وأنَّ أصحابَ تِلك المحاولةِ لا يَبلُغون مُرادَهم". (٢)
و (نُورَ اللَّهِ) وهو ما بعث اللهُ تعالى به رسولَه من الهدى ودين الحق الذي وعد بإظهاره على الدين كله.
فهؤلاء: حالهم كـ" حالِ مَن يُريدُ أنْ يَنْفُخَ في نُورٍ عَظيمٍ مُنبَثٍّ في الآفاقِ، يُريدُ اللهُ أنْ يَزيدَه ويُبلِغَه الغايةَ القُصْوى في الإشراقِ أو الإضاءةِ؛ ليُطْفئَه بنَفخِه ويَطْمِسَه " (٣)
وفي قوله: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) وقوله: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ) وعدٌ من الله تعالى متحقق لا يتخلف أبدًا بإعلاء دينه، وإظهار كلمته، وإتمام هذا الحقّ الذي بعث به سبحانه رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وقد توعدهم الله تعالى جميعًا فقال فيهم وفي أمثالهم: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة: ٧٩)، والآية نزلت في أهل الكتاب (٤).
(١) - تفسير ابن كثير: (١/ ١٤٩).
(٢) - تفسير ابن عاشور: (١٧٢/ ١٠).
(٣) - الكشاف: (٢/ ٢٦٥)، تفسير ابن عاشور: (١٧١/ ١٠).
(٤) - قاله ابن عباس: يُنظر: خلق أفعال العباد للبخاري: (ص: ٥٤)، قال مقبل بن هادى الوادعي في الصحيح المسند من أسباب النزول - بتحقيقه - (ص: ١٧) - الطبعة الرابعة - الحديث رجاله رجال الصحيح إلا عبدالرحمن بن علقمة وقد وثقه النسائي وابن حبان والعجلي وقال ابن شاهين قال ابن مهدي كان من الأثبات الثقات ا. هـ. تهذيب التهذيب.