فهم" يريدون ليبطلوا الحق الذي بعث الله به محمدًا--صلى الله عليه وسلم- … وهو "نور القرآن" … والله مظهر دينه، وناصر رسوله، ولو كره الكافرون بالله. ". (١)
فـ "النُّورُ الْقُرْآنُ، أَيْ: يُرِيدُونَ أَنْ يَرُدُّوا الْقُرْآنَ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَكْذِيبًا". (٢)
ولا شك في أنها تشمل كل من اتصف بوصف أهل الكتاب وفعل فعلهم، وهؤلاء الذي طعنوا في كتاب الله ممن فعل فعلًا مشابهًا لفعلهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٥ هـ) -رحمه الله- لما ذكر هذه الآيات:
"فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة، على ما أصله من البدع الباطلة … ومتناول لمن كتابًا بيده مخالفًا لكتاب الله لينال به دنيا وقال هذا من عند الله". (٣)
وقال سبحانه وتعالى: (وإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: ٧٨).
يقول الواحدي (ت: ٤٦٨ هـ) - رحمه الله - في" الوجيز في تفسير الكتاب العزيز":
(وإنَّ منهم) أَيْ: من اليهود (لفريقًا يلوون ألسنتهم بالكتاب) يحرِّفونه بالتَّغيير والتَّبديل والمعنى: يلوون ألسنتهم عن سنن الصَّواب بما يأتونه به من عند أنفسهم (لتحسبوه) أَيْ: لتحسبوا ما لووا ألسنتهم به (من الكتاب). (٤)
وهذا الوصف الذي نزل في اليهود يشمل كل من تعرض لكتاب الله بالطعن والقاء الشبهات يريد بذلك تبديله وتغييره وتحريفه، وهؤلاء لاشك ينطبق عليهم تمامًا ما وصف الله به اليهود في الآية. وأوجه ما يقُال في ذلك من أوجه الشبه بين هؤلاء وهؤلاء: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وهذه الاعتراضات الهاوية إما أن ترجع إلى روايات مكذوبة وباطلة سندًا ومتنًا، وإما إلى فهم عقيم يدل على عقل سقيم، وقد قيض الله لهذه الشرذمة سادة كرامًا وأئمة أعلامًا من فضلاء ونبلاء علماء الإسلام، فقاموا بواجبهم تجاه كتاب ربهم خير قيام، فبروا نبالهم وأحكموا نصلهم ورموا
بها في نحورهم فأصابوا منهم كل مقتل، فأصابت جروحهم لتثعب دمًا عفنًا، وأخرجت منها قيح
(١) - يُنظر: تفسير الطبري: (٣٦٠/ ٢٣). بتصرف يسير.
(٢) قَالَه الْكَلْبِيُّ يُنظر: تفسير البغوي: (٤/ ٣٩).
(٣) - تعارض العقل والنفل: (١/ ٤٥).
(٤) - الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: (١/ ٩٤).