وقال أبو وائل شقيق بن سلمة (ت: ٨٢ هـ) - رحمه الله -:
خطبنا عبد الله بن مسعود، فقال: والله، لقد أخذت من في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّي من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم (١).
فهذه التّزكية والقبول عند النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- وعامّة أصحابه أعطى ابن مسعود الحقّ في الاعتراض: أن يختار زيد بن ثابت ويقدّم عليه، وقد أسلم ابن مسعود وحفظ عن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم-الكثير من القرآن وزيد يومئذ صبيّ لم يعرف الإسلام بعد فضلًا عن القرآن.
وثانيهما: شهوده العرضة الأخيرة على النّبيّ -صلى الله عليه وسلم. -
فعن ابن عبّاس، رضي الله عنهما، قال: أيّ القراءتين تعدّون أوّل؟ قالوا: قراءة عبد الله، قال: لا، بل هي الآخرة (وفي رواية: قراءتنا القراءة الأولى، وقراءة عبد الله قراءة الأخيرة)، كان يعرض القرآن على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كلّ عام مرّة، فلمّا كان العام الّذي قبض فيه عرض عليه مرّتين، فشهده عبد الله، فعلم ما نسخ منه وما بدّل (٢).
ورد هذه الشبهة يكون من وجوه كثيرة، من أبرزها ما يلي:
الوجه الأول:
إن ابن مسعود- رضي الله عنه- لم يشك في جمع زيد ولا في أهليته لذلك، ولا في الصحف العثمانية، وكل في ما في الأمر أنه يرى أهليته لذلك، ولم يطعن في أهلية زيد وقدره ومكانته، وقد أمضى الخليفتان أهليته لذلك وقَرَّرَاها.
واعتراضه- رضي الله عنه-لا ينافي عدم أهلية زيد لهذه المهمة، ولاشك في إصابة اختيار الخليفتين لزيد، وقد علما مؤهلاته وقدراته التي أهلته لتلك المهمة.
(١) حديث صحيح. متّفق عليه: أخرجه البخاريّ (رقم: ٤٧١٤) ومسلم (رقم: ٢٤٦٢)،
واللّفظ للبخاريّ.
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (رقم: ٣٤٢٢) وابن أبي شيبة (رقم: ٣٠٢٧٩) وابن سعد في «الطّبقات» (٢/ ٣٤٢) والبخاريّ في «خلق أفعال العباد» (رقم: ٣٨٢) والنّسائيّ في «الكبرى» (رقم: ٧٩٩٤، ٨٢٥٨) وأبو يعلى (رقم: ٢٥٦٢) والطّحاويّ في «شرح المعاني» (١/ ٣٥٦)
و «شرح المشكل» (رقم: ٢٨٦، ٥٥٩٠) وابن عساكر في «تاريخه» (٣٣/ ١٤٠) من طرق عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاس، به.
والرّواية الأخرى لأبي يعلى. قلت: وإسناده صحيح.
وأخرجه أحمد (رقم: ٢٤٩٤، ٢٩٩٩) والطّحاويّ في «المشكل» (رقم: ٢٨٧) من طرق عن إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، بنحوه.
قلت (الجديع) وكذا سابقتها: وهذه متابعة صالحة.