لكن ابن مسعود - رضي الله عنه- يرى في نفسه كمال وتمام الأهلية لذلك.
و ابن مسعود- رضي الله عنه- لم يكن اعتراضه على الجمع نفسه وعلى طريقته، وإنما كان على عدم إشراكه وقيامه به مع أهليته لذلك كما أسلفنا.
الوجه الثاني:
أن زيد لم ينفرد بمهمة الجمع وحده، بل شاركه فيها القرشيون الثلاثة وشارك فيه جمع غفير من جمهور الصحابة-رضي الله عنهم-كذلك، وقد تم ذلك كله تحت إشراف مباشرة من الخليفة الراشد- عثمان- رضي الله عنه-.
الوجه الثالث:
ولو سلمنا جدلًا وافتراضًا للطعن الوارد في هذه الشبهة، من أنه كان على الجمع نفسه لا على اختيار زيدِ، فإنه ثبت بما لا يدع مجال للشك رجوعه- رضي الله عنه- لرأي الجماعة ولزومها ويؤيد ذلك أمران:
الأمر الأول: تقديم مصحفه للحرق وذلك لما علم أنه الحق، ورجوعه لإجماع الصحابة- رضي الله عنهم- على فعل عثمان في تحريق المصاحف وجمعهم على المصحف الإمام، وسيأتي ذلك بتفصيل وإيضاح أكثر في موضعه من المبحث القادم بإذن الله.
الأمر الثاني: ومما يؤيد رجوعه لو كان ذلك الطعن في الجمع نفسه كما افترضنا ذلك جدلًا، قراءة عاصم بن أبي النَّجود المنقولة بالتواتر، فقد ثبت تواترها عن ابن مسعود من طريق أصحابه من
أهل الكوفة، فإنه- رضي الله عنه- قد أقرأ بالكوفة زمنًا، وقد تلقى هذه القراءة أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زِرِّ بن حُبَيْش وأبي عمرو سعد بن إياس الشيباني عن ابن مسعود رضِى الله عنه-.
ونسوق سند قراء عاصم بن أبي النَّجود من طريق "النشر" لابن الجزري:
فقد قرأ عاصم بن أبي النَّجود على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلميّ الضرير، وأبي مريم زِرِّ بن حُبَيْش بن حُباشة الأسديّ، وأبي عمرو سعد بن إياس الشيباني، وقرأ هؤلاء الثلاثة على عبد الله بن مسعود. (١)
ولا شك في أن سند قراءة عاصم المتواترة والتي ينتهي سنده فيها إلى ابن مسعود- رضي الله عنه- دليل ساطع قاطع على رجوعه ولزومه أمر الجماعة، هذا إن ثبت الطعن في الجمع نفسه كما افترضنا ذلك جدلًا.
(١) - يُنظر سند رواية حفص عن عاصم من كتاب: (النشر في القراءات العشر) لابن الجزري: (١/ ١٤٠).