الوجه الرابع:
إن في عهديه الثاني والثالث- البكري والعثماني- قد ثبت تواتره، وقد أقره جمع غفير من الصحابة- بل كلهم- وهم يستحيل تواطؤهم على الكذب، وإن هذا التواتر يكفي قطعًا بصحته وثبوته، فلو طعن طاعن أو قدح قادح في هذا الجمع الذي ثبت بالتواتر فإنه لا يؤثر أبدًا كائنًا من كان، وقد ثبت هذا التواتر في عهدي رجلين هما من خيرة طليعة هذه الأمة وهما خليفتا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وكان في طليعة المشاركين بالقول الرشيد والرأي السديد في الجمع الأول الخليفة الراشد الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وذلك بإجماع خير هذه الأمة من المهاجرين والأنصار ومن شاركهم من خير جيل التابعين-رضي الله عنه أجمعين-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٥ هـ) - رحمه الله -:
والقرآن الذي بين لوحي المصحف متواتر؛ فإن هذه المصاحف المكتوبة اتفق عليها الصحابة، ونقلوها قرآنا عن النبي-صلى الله عليه وسلم-وهي متواترة من عهد الصحابة، نعلم علمًا ضروريًا أنها ما غيرت، والقراءة المعروفة عن السلف الموافقة للمصحف تجوز القراءة بها بلا نزاع بين الأئمة، ولا فرق عند الأئمة بين قراءة أبي جعفر ويعقوب، وخَلَف، وبين قراءة حمزة والكسائي، وأبي عمرو ونعيم، ولم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن القراءة مختصة بالقراء السبعة. (١)
وقال النووي (ت: ٦٧٦ هـ) -رحمه الله-:
" … فإن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وكل واحدة من السبع متواترة، هذا هو الصواب الذي لا يعدل عنه، ومن قال غيره فغالط أو جاهل ". (٢)
وقال ابن النجار الفتوحي (ت: ٩٧٢ هـ) -رحمه الله-:
" وَالْقِرَاءاتُ السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الأَئِمَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ، نَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ "الْغَايَةِ"، وَقَالَ: قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: آحَاد ". (٣)
وقال الزرقاني (ت: ١٣٦٧ هـ) -رحمه الله-:
" والتحقيق الذي يؤيده الدليل هو أن القراءات العشر كلها متواترة، وهو رأي المحققين من الأصوليين والقراء كابن السبكي وابن الجزري والنويري ". (٤)
(١) - مجموع فتاوى ابن تيمية: (٣/ ١٣٧).
(٢) المجموع للنووي: (٣/ ٣٩٢).
(٣) شرح الكوكب المنير: (٢/ ١٢٧).
(٤) مناهل العرفان للزرقاني: (١/ ٤٤١).