لِما ثبت من حديثِ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أَفْضَلُ الذِّكْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ: الحَمْدُ لِلهِ)) (١)؛
ثم إنه لا يصحُّ ولا يليق أن ينادي العبدُ سيدَهُ ومولاه ويقولُ: "يا ألله" ثم لا يتبِع ذلك النداء بسؤال، أو دعاء، أو استغاثة، أو استعاذة، أو طلب حاجة.
وكلمة التوحيد هي أعظم وأجَلّ كلمة، فمن أجلها خُلقت الخليقةُ، وأُرسلت الرسلُ، وأُنزلت الكتبُ، وسلت سيوف في سبيل الله، فأُهْرِيقَت دماءٌ، وقطعت أشلاء، ويتم أطفال، ورمِّلت نساء، وهي العروة الوثقى التي من استمسك بها نجا، وهي الكلمة التي من قالها وعمل بمقتضاها فاز وربح، وهي كلمة التقوى وأساس الملة وركن الدين الركين وأساسه المتين، وهي الكلمة التي من
خُتِمَ له بها سعد السعادة الأبدية التي لا يرى بعدها شقاء أبدًا، وفضائلها وقدرها ومكانتها من الدين فوق وصف البلغاء وتعريف الفصحاء.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله: (ت: ٩٧٣ هـ)
"أفضل الأذكار التي لم يخصها الشارع بحال أو زمن القرآن، وبعده التهليل، لخبر:
(أفضل الذكر لا إله إلا الله) ". (٢)
ويقول المباركفوري رحمه الله: (ت: ١٤١٤ هـ)
"لأنها كلمة التوحيد، والتوحيد لا يماثله شيء، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان، ولأنها أجمع للقلب مع الله، وأنفى للغير، وأشد تزكية للنفس، وتصفية للباطن، وتنقية للخاطر من خبث النفس، وأطرد للشيطان ". (٣)
ولذا فأهل السعادة في هذه الدار هم المكثرون من نطقها وتحقيقها نفيًا وإثباتًا، وهم الذين لا تفتر ألسنتهم عن ذكرها في كل أحوالهم وأوقاتهم، قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، ليلًا ونهارًا، سرًا وجهارًا، حضرًا وسفرًا، صيامًا وإفطارًا، حجًا واعتمارًا، صحة وسقمًا. فنطقها وتحقيقها هو
شغلهم الشاغل مع عدد أنفاسهم، كل ذلك مع حضور قلوبهم وتدبر معانيها ومقاصدها ومراميها وما دلت عليه هذه الكلمة الطيبة العظيمة.
(١) -رواه الترمذي (٣٣٨٣) وقال: حسن غريب. ورواه النسائي في " السنن الكبرى " (٦/ ٢٠٨) وبوب عليه بقوله: (باب أفضل الذكر وأفضل الدعاء)، ورواه ابن حبان في صحيحه (٣/ ١٢٦) وبوب عليه بقوله: ذكر البيان بأن الحمد لله جل وعلا من أفضل الدعاء، والتهليل له من أفضل الذكر. وحسنه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (١/ ٦٣) والألباني في " صحيح الترمذي ". وصححه كذلك في السلسلة الصحيحة (١٤٩٧).
(٢) الفتاوى الحديثية (ص/ ١٠٩)، والحديث بطوله: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ لِلَّهِ). والحديث سبق تخريجه في الهامش السابق.
(٣) - تحفة الأحوذي (٩/ ٣٢٥).