بالتواتر، المكتوب في المصاحف والسطور، المحفوظ في القلوب والصدور، المفتتح بأول سورة "الفاتحة المختتم بسورة "الناس.
٥ - كل ما لم ثبت في العرضة الأخيرة فهو إما أن يكون منسوخًا، وإما أنه ليس من القرآن الذي أنزله الله وتعبدنا به سبحانه.
وكلاهما ليس له حكم القرآن: من جهة التعبد، ومن جهة الإعجاز على حد سواء.
وعلى هذا فأي وجه من أوجه القراءة لم يثبت في العرضة الأخيرة علمنا نسخه، وما ثبت فيها علمنا أنه القرآن الذي تعبدنا الله به.
٦ - كذلك لابد أن يُعلم أن العرضة الأخيرة كانت على حرف واحد فيما يعلم الباحث،
ومن قال غير ذلك فليأت بدليل قاطع وبرهان ساطع، لأن العرضة الأخيرة كانت لتأكيد الحفظ وإثبات مالم ينسخ من بعض آي القرآن، وليس وراء ذلك من شيء أبدًا.
وقد سبق معنا كلام الحافظ في الفتح عن الحكمة من العرضة الأخيرة حيث قال: وفي ذلك حكمتان،
إحداهما: تعاهده، والأخرى: تبقية ما لم ينسخ منه ورفع ما نسخ. (١) ولا يُعلم في ذلك قول له اعتباره قام على الحجة والبرهان وساطع البيان يخالف قول الحافظ ومن وافقه.
وَفي صدد ما تقرر لدينا آنفًا يقرر - ذلك - عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ (٢) -رحمه الله- بقوله:
القراءة التي عُرِضَت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي قبض فيه- هي القراءة التي يقرأها الناس. (٣)
ومن أحسن ما قيل في وجهة التناسب بين كون العرضة من كل عام في رمضان، وبين بدء نزوله فيه كذلك، قول أبي شامة (ت: ٦٦٥ هـ) في "المرشد الوجيز"،
حيث يقول -رحمه الله-:
وكأنه نَزَّلَ عرضه وإحكامه في رمضان من كل سنة منزلة إنزاله فيه، مع أنه قد لا ينفك من إحداث إنزال ما لم ينزل أو تغيير بعض ما نزل بنسخ أو إباحة تغيير بعض ألفاظه. (٤)
(١) - فتح الباري: (٩/ ٥). وقد سبق تخريجه في موضعه كذلك.
(٢) عبيدة السلماني الفقيه الْمُرادي الكوفي، أحد الأعلام، أسلم عام الفتح، ولا صحبة له، وأخذ عن علي وابن مسعود، وكان يقرئ الناس، ويفتيهم. توفي سنة ٧٢ على الصحيح. سير أعلام النبلاء (٤/ ٤٠)، وشذرات الذهب (١/ ٧٨).
(٣) - رواه البيهقي في دلائل النبوة (٧/ ١٥٥ - ١٥٦).
(٤) - المرشد الوجيز، لأبي شامة: (ص: ٢٤)