وقد وافق قولُ ابن كثير قولَ أبي شامة، حيث يقول -رحمه الله-:
وخص بذلك رمضان من بين الشهور؛ لأن ابتداء الإيحاء كان فيه؛ ولهذا يستحب دراسة القرآن وتكراره فيه، ومن ثم اجتهاد الأئمة فيه في تلاوة القرآن. (١)
نزول القرآن بعد العرضة الأخيرة
وأما ما نزل بعد رمضان الأخير من زمن النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو رمضان سنة عشر من الهجرة، وتوفي النبي-صلى الله عليه وسلم- في ربيع الأول من سنة إحدى عشرة، وقد نزل قرآن فيما بعد ذلك الرمضان، فكأن الذي نزل بعد تلك العرضة لَمَّا كان قليلاً اغتفر أمر معارضته. (٢)
وقد شهد العرضة الأخيرة من الصحابة، عبد الله بن مسعود، وقيل زيد بن ثابت-رضي الله عنهما-.
فعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السُلميّ -رحمه الله- (٣) قال:
قرأ زيد بن ثابت على رَسُول اللهِ-صلى الله عليه وسلم- في العام الذي توفَّاه الله فيه مرتين، وإنَّما سمِّيَت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرَسُول اللهِ-صلى الله عليه وسلم-، وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بِها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتبة المصاحف. (٤)
ويقول السُلميّ -رحمه الله- أيضًا:
كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة (٥) كانوا يقرءون القراءة العامة، وهي القراءة التي قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان زيد قد شهد العرضة الأخيرة وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده الصديق في جمعه، وولاه عثمان كتبة المصحف. (٦)
(١) تفسير ابن كثير: (١/ ٥١).
(٢) - فتح الباري: (٨/ ٦٦٠).
(٣) - هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي، تابعي جليلٌ، ولد في حياة النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقرأ القرآن على عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت، وهو مقرئ الكوفة، ظل يقرئ الناس بمسجدها الأعظم أربعين سنة. يُنظر: معرفة القراء الكبار (١/ ٥٢ - ٥٣)، وشذرات الذهب (١/ ٩٢).
شرح السنة للإمام البغوي (٤/ ٥٢٥ - ٥٢٦)، ويُنظر: البرهان في علوم القرآن (١/ ٢٣٧).
(٤) - شرح السنة للإمام البغوي (٤/ ٥٢٥ - ٥٢٦)، ويُنظر: البرهان في علوم القرآن (١/ ٢٣٧). سبق بيان عدم ثبوت شهود زيد للعرضة الأخيرة بأدلة ثابتة صحيحة.
(٥) - ذكره المنذري في كنز العمال (٢/ ٥٩١). وعزاه لابن الأنباري في المصاحف.
(٦) - يُنظر: شرح السُّنة للبغوي (٤/ ٥٢٥)، المرشد الوجيز (٦٨ - ٦٩)، للزركشي: (١/ ٣٣٠).