٣ - كما يدل ضمنًا على إجماعهم، فلم يمتنع أحد منهم على تقديم مصحفه للحرق، إلا ما كان من ابن مسعود رضي الله عنه-أول الأمر، فما لبث أن ثاب إلى أمر الجماعة.
٤ - كما يدل أخيرًا على أن:
" العرضة الأخيرة للقرآن الكريم كانت هي المرجع والأساس لقراءة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم-، كما كانت الفيصل بينهم إذا تنازعوا في شيء من كتاب الله تعالى، ولَمَّا أرادوا الكريم
كانت هي أيضًا أساس هذا الجمع، فقد اتفقوا على كتابة ما تحققوا أنه قرآن مستقرٌّ في العرضة الأخيرة، وتركوا ما سوى ذلك. (١)
وسيأتي معنا في المبحث الرابع الذي يلي هذا المبحث، الكلام على تحريق المصاحف الأخرى غير المصحف الإمام بشيء من الإيضاح والتفصيل، بإذن الله تعالى.
وقد طال بنا التطواف مع هذه الشبهة ومناقشتها ومدارستها والرد عليها وإبطالها وتفنيدها وتكذيبها، وذلك أمرين:
الأول: لعظم خطبها وخطورة شأنها
الثاني: لكثرة ما ورد حولها من مطاعن وشبه قد تلتبس على بعض طلاب العلم المتخصصين فضل عن غيرهم.
وختامًا لمبحث الشبه الواردة على المصحف العثماني:
وبعد عرض نماذج منها ومناقشتها ودحضها وتكذيبها وبيان زيفها وبطلانها بحجج دامغات واضحات، وأجوبة صحيحة مسكتات، لا يسع الباحث إلا أن يحمد الله تعالى ويشكره، راجيًا أن يكون قد وفق لما كان يرجوه ويأمله من الذب عن حياض دينه عمومًا، ودفاعًا عن كتاب ربه خصوصًا، راجيًا وآملًا أن يشمله رَبُهُ الكريمُ الرحمنُ الرحيمُ بعفوه ومغفرته ورحمته التي وسعت
كل شيء، وأن يجعل هذا العمل مما يُتزلف به لديه سبحانه وحده، وأن يجعله مما تُرفع به الدرجات، وتُضاعف به الحسنات، وتُقال به العثرات، ويُعفى به عن السيئات، إنه قريب مجيب.
ويصلى ويسلم على من قام بواجب البلاغ عن ربه- نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-، ويسأله- سبحانه-أن يجزي أصحابه الكرام- خير أصحاب لخير رسول- رضي الله عنهم- الجزاء الأوفى على ما قاموا به من حق كتاب ربهم عليهم، فلقد كفَوْا الأمة بعدهم الخَطْب العظيم في حفظهم لكتاب الله الكريم بكل ما تحمل كلمة الحفظ من معانٍ كبيرةٍ عظامٍ، وجزى الله علماء الإسلام سلفًا وخلفًا عما قدموا لدينهم عمومًا ولكتاب ربهم خصوصًا ولا سيما في سد ثلمة الدفاع عن
(١) - الإتقان في علوم القرآن (١/ ١٤٢).