كتاب ربهم المجيد، الذي: (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: ٤٢).
وبهذا تنتهي الشبهة الثامنة ودحضها وإبطالها، وبها ينتهي المطلب الرابع: الشبهات الواردة حول الجمع العثماني ودحضها. والحمد لله رب العالمين.
المطلب الخامس: تحريق المصاحف الأخرى غير المصحف الإمام وغير ما نسخ منه، وبيان دواعي ذلك
أولًا: تحريق المصاحف الأخرى غير المصحف الإمام
بعد أن أنهت لجنة الجمع العثماني عملها برئاسة زيد بن ثابت ومشاركة الرهط القرشيين الثلاثة- رضي الله عنهم أجمعين-، وقامت بنسخ المصاحف التي سترسل للأمصار، والتي كانت كتابتها موافقة لما استقرت عليه العرضة الأخيرة التي - قيل- شهدها زيد، والتي هي موافقة لما هو مثبت في اللوح المحفوظ وترك ما سوى ذلك، عزم عثمان- رضي الله عنه- على تحريق المصاحف التي في أيدي الناس وجمع الأمة على مصحفٍ إمام واحد يجتمع عليه المسلمون في كل الأقاليم الإسلامية درءًا للفتنة وهي في مهدها.
ولذا فإنه لما حدث اختلاف فى قراءة القران بين الغلمان والمتعلمين فى المدينة فى زمن عثمان- رضي الله عنه-، قام خطيبًا في الناس فقال: أنتم عندي تختلفون وتلحنون، فمن نأى عنى من الأمصار أشد فيه اختلافًا وأشد لحنًا، اجتمعوا يا أصحاب محمد، فاكتبوا للناس إمامًا. (١)
"حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحفِ ردَّ عثمانُ الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق". (٢)
"واجتمعوا جميعًا على المصاحف العثمانية، حتى عبد الله بن مسعود الذي نقل عنه أنه أنكر أولًا مصاحف عثمان، وأنه أبى أن يحرق مصحفه، رجع وعاد إلى
حظيرة الجماعة، حين ظهر له مزايا تلك المصاحف العثمانية، واجتماع الأمة عليها، وتوحيد الكلمة بها". (٣)
ثانيًا: موقف الصحابة من تحريق المصاحف
استشار عثمان الصحابة في ذلك فأيَّدوه وعاضدوه وناصروه واستجابوا له وأثنوا على فعله واستجابوا لندائه وأمره وأعانوه وأقروا ما عمله-عثمان-؛ واتفقت كلمتهم على فعله، فحرقوا
(١) المصاحف لابن أي داود: (١/ ٢٠٤).
(٢) البخاري: فضائل القرآن، رقم: ٤٦٠٤.
(٣) - يُنظر: مناهل العرفان: ١/ ٢٦١.