العدوان الأثيم على كتاب الله، وبعد الأخذ والرد تمخضت الجهود والآراء عن تسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، على أسطوانات توزع نسخ منه على المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي، وكافة المراكز الإسلامية في العالم، باعتبار ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه، وكان هذا أول جمع صوتي للقرآن الكريم بعد أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
وبمرور الوقت تبين أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة في إنجاز الهدف المنشود من ورائها؛ نظرًا لعجز القدرات والإمكانات المادية في الدول الإسلامية في ذلك الوقت عن إيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الأسطوانات على نطاق شعبي، فضلًا عن عدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لها بحكم الوضع الذي كانت عليه دول العالم الإسلامي في أوائل الستينيات من القرن العشرين.
ونتيجة لما سبق، انتهى الرأي والنظر في هذا الشأن من قبل وزارة الثقافة والإرشاد القومي- المسئولة عن الإعلام في ذلك الوقت، إلى اتخاذ قرار بتخصيص موجة قصيرة، وأخرى متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذي سجله المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. (١)
وبعد موافقة الحكومة بدأ إرسال "إذاعة القرآن الكريم" في الساعة السادسة من صبيحة الأربعاء ١١ من ذي القعدة لسنة ١٣٨٣ هـ الموافق ٢٥ مارس لسنة ١٩٦٤ م، بمدة إرسال قدرها ١٤ ساعة يوميًّا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحًا، ومن الثانية حتى الحادية عشرة مساءً على موجتين: إحداهما قصيرة وطولها ٣٠. ٧٥ ك. هـ، والأخرى متوسطة طولها ٢٥٩. ٨ ك. هـ؛ لتكون أول صوت يقدم القرآن كاملًا بتسلسل السور والآيات كما نزل بها أمين الوحي جبريل "عليه السلام" على قلب سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
وكانت بذلك أنجح وسيلة لتحقيق هدف حفظ القرآن الكريم من المحاولات المكتوبة لتحريفه؛ حيث يصل إرسالها إلى الملايين من المسلمين في الدول العربية والإسلامية في آسيا وشمال أفريقيا، حيث كان الراديو "الترانزيستور" وسيلة لالتقاط إرسالها بسهولة.
وعلى منوال هذه السابقة المصرية المباركة توالى إنشاء عدة إذاعات للقرآن الكريم في داخل العالم العربي، بل وفي خارجه كما في أستراليا مثلًا، تصديقًا لقول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ٩). (٢).
(١) - بالطبع لم يُذكر اسمُ الدكتور النبيل/ لبيب السعيد-هنا - مع أنه الصاحب الأول لفكرة الجمع الصوتي، فنسأل الله في عليائه أن يكتب له جزيل الأجر وعظيم الثواب، وهو سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملًا، كما قال سبحانه عن نفسه في تفضله على عباده المؤمنين: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) (الكهف من آية: ٣٠)
(٢) - يُنظر: بحث تحت عنوان" قصة نشأة إذاعة القرآن الكريم من القاهرة"، إعداد: الدكتور فوزي خليل نائب رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق (يرحمه الله) عن موقع: التراث الإسلامي، ويُنظر: الموقع الرسمي لإذاعة القرآن الكريم بالقاهرة، ويُنظر: إذاعة القرآن الكريم (مصر)، الموسوعة الحرة. بتصرف يسير.