قالوا: فكما أن من أوتي إيمانًا بلا قرآن أفضل ممن أوتي قرآنًا بلا إيمان، فكذلك من أوتي تدبرًا وفهماً في التلاوة، أفضل ممن أوتي كثرة قراءة وسرعتها بلا تدبر. (١)
وفي نحو ذلك يروي أحد القراء المعاصرين فيقول:
روى لنا شيخنا المُعَمَّر، المقرئ، الشيخ: أبو منير؛ محمد السيد إسماعيل (٢) حفظه الله وأمد في عمره: "أن السلطان: عبد الحميد العثماني، جمع كبار القراء من أقطار العالم الإسلامي، وذلك في
قصر يلدز، "وهو قصر الخلافة العثمانية في اسطنبول" وطلب السماع منهم، وكان آخرهم قراءة المقرئ الشيخ: حسين موسى شرف الدين المصري الأزهري "وهو أحد مشايخ شيوخ الشيخ محمد راوي القصة؛ والذي يرد ذكره في شجرة القراء وكان مجاورًا في المدرسة البادرائية بدمشق" وبعد أن أتم القراءة. صفقت زوجة السلطان من وراء الستارة: أن يقرأ آخر مقرئ مرة أخرى. ولما طلب السلطان من الشيخ إعادة القراءة؛ غضب الشيخ وأبى قائلاً: "قرأنا لله؛ ولا نقرأ لفلان، وفلان". (٣)، فأين قراء زماننا من هذا.؟!
قال الحسن البصري (ت: ١١٠ هـ) -رحمه الله-:
قُرَّاءُ القرآنِ ثلاثة:
الأول: رجل اتخذه بضاعة ينقله من مصر إلى مصر، يطلب به ما عند الناس
الثاني: وقوم حفظوا حروفه، وضيعوا حدوده، واستدروا به الولاة، واستطالوا به على أهل بلادهم
الثالث: ورجل قرأ القرآن، فبدأ بما يعلم من دواء القرآن، فوضعه على داء قلبه، فسهر ليله، وهملت عيناه، وتسربلوا بالخشوع، وارتدوا الحزن، وركدوا في محاريبهم، وحثوا في برانسهم.
فبهم يسقي الله الغيث، وينزل المطر، ويرفع البلاء، والله لهذا الضرب في حملة القرآن أقل من الكبريت الأحمر. (٤)
الإخلاص عمل قلبي:
(١) - زاد المعاد (١/ ٣٣٨، ٣٣٩).
(٢) الشيخ: أبو منير؛ محمد السيد إسماعيل: وهو من مواليد غوطة دمشق الشرقية ـ عربيل (عربين) ١٩١٣ م تقريبًا. وهو أحد شيوخي (الكلام لأبي الخير صلاح كرنبه-كاتب المقال) وقد التقيناه من حوالي الشهر في مدينة رسول الله صلى الله علية وسلم حيث جاءها زائرًا بعد تأديته للعمرة وهو من فضل الله بكامل قواه العقلية والجسمية ولكن الذي أعاقه على العطاء في مجال القراءات ضعف سمعه قليلا بارك الله فيه وفي أمثاله من -الصفوة- أهل القرآن أهل الله وخاصته.
(٣) - الإخلاص في تلاوة القرآن، أبو الخير صلاح كرنبه، ملتقى أهل التفسير بتاريخ: ٥/ ٧١٤٢٨ هـ.
(٤) -عيون الأخبار، لابن قتيبة الدينوري (٢/ ١٤٨).