لقد حرص النبي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على تعليم أصحابه القرآن منذ بزوغ فجر نزوله في الغار، وكذلك حرص أصحابه على التلقي والأخذ عنه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتنافسوا في هذا المضمار أيما تنافس، وقد سطع نجم عدد منهم فاعتنوا بالقرآن وتعلمه وإتقانه حتى تميزوا في تَعَلُمِهم فزكاهم النبي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحث ورغَّب في التلقي والأخذ عنهم.
أبرز من زكاهم النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
أولًا: التزكيات الجماعية
فقد زكى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جمعًا ممن تميزوا في التلقي عنه، وممن زكاهم تزكية جماعية لسبقهم وفضلهم أربعة نفر.
فقد ثبت في الصحيحين أنه ذُكِرَ عبدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو، فَقالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لا أزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: خُذُوا القُرْآنَ مِن أرْبَعَةٍ مِن عبدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ - فَبَدَأَ به -، وسَالِمٍ، مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ، ومُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ. (١)
وهذه التزكيات الجماعية لهؤلاء الأربعة نفر من الصحابة هي بمثابة الإجازة، فقوله (خُذُوا القُرْآنَ مِن أرْبَعَةٍ) يُعد إجازة صريحة، كما يُعد تزكية لهم لا تعلوها تزكية، حيث جاء الأمر بالأخذ عنهم بلفظ صريح من النبي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ثانيًا: تزكية أبيِّ بن كعب (ت: ٣٠ هـ) -رضي الله عنه-:
ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لِأُبَيٍّ: إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ قالَ أُبَيٌّ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قالَ: اللَّهُ سَمَّاكَ لي فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي، قالَ قَتَادَةُ: فَأُنْبِئْتُ أنَّهُ قَرَأَ عليه: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهْلِ الكِتَابِ) (البينة: ١). (٢)
وقد ثبت عند الترمذي وغيره بسند صحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " … وأقرؤُهُم لِكِتابِ اللَّهِ أبيُّ بنُ كعبٍ … ". (٣)
وهذه لا شك تزكية صريحة لسيد القراء رضي الله عنه.
ثالثًا: تزكية عبد الله بن مسعود (ت: ٣٢ هـ) -رضي الله عنه-:
ثبت في المسند بسند صحيح عن زر بن حبيش من حديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: … من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل، فليقرأه بقراءة ابن أم عبد … (٤)
(١) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: مناقب الأنصار، باب: مناقب أُبي بن كعب (٧٧٩) رقم الحديث (٣٨٠٨)، والترمذي في جامعه، كتاب المناقب، باب: مناقب عبدالله بن مسعود (٨٦٤) برقم (٣٨١٠)، وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد في مسنده (٢/ ١٦٣).
(٢) رواه البخاري (٤٩٦٠) واللفظ له، ومسلم (٧٩٩). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٣) رواه الترمذي (٣٧٩١)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٨٢٤٢)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (٣٧٩١).
(٤) مسند الإمام أحمد ٧/ ٣٥٩ رقم ٤٣٤٠. وقال شعيب الأرناؤوط ومن معه: " صحيح بشواهده، وهذا إسناد حسن ". وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة ٥/ ٣٧٩ رقم ٢٣٠١.