وهذه تزكية قل أن تعلوها تزكية وإن كانت، ومع ذلك فهي منقبةٌ عظيمةٌ جليلة القدر.
وها هو عبد الله بن مسعود (ت: ٣٢ هـ) - رضي الله عنه- يقول عن نفسه:
"والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت،
ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه". (١)
عن شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ (ت: ٨٠ هـ) قَالَ: خطبنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ (ت: ٣٢ هـ) - رضي الله عنه - فقَالَ:
"وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ".
قالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي الْحِلَقِ أَسْمَعُ مَا يَقُولُونَ، فَمَا سَمِعْتُ رَادًّا، يَقُول غَيْرَ ذَلِكَ. (٢)
رابعًا: تزكية أبيِ موسى الأشعري (ت: ٤٤ هـ) -رضي الله عنه-:
ولقد استمع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقراءةِ أَبِي مُوسَى ثم قَالَ له: "لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ " (٣)،
ومجرد حرصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الاستماع لقراءةِ أَبِي مُوسَى يُعد تزكية من أعلى التزكيات.
خامسًا: تزكية مصعب بن عمير (ت: ٣ هـ) وعبد الله بن أم مكتوم (ت: ١٥ هـ) -رضي الله عنهما-
لقد أرسل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصعبَ بن عمير العَبْدري وعبدَ الله بن أم مكتوم رضي الله عنهما ليعلمان الناسَ القرآنَ في المدينة قبل هجرته، ولاشك في أن إرسالهما للتعليم والقيام بهذه المهمة الجليلة يُعد تزكية لهما.
وقد ثبت عند البخاري من حديث البَرَاء بْن عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ … (٤).
(١) - صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن (٤٧١٦)
(٢) - صحيح البخاري، كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ-بَاب الْقُرَّاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى، حديث رقم: (٤٦٤١).
(٣) - صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين، حديث رقم ٧٩٣.
(٤) - صحيح البخاري (٣٩٢٥)، ويُنظر: التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول، كتاب النبوة والرسالة (٣/ ٢٣٨).