لغتهم والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يُستطاع وما عسى أن يتكلف المتكلف وتأبى الطباع (١).
ثالثًا: تيسير نشر القرآن وفهمه لجميع العرب
وفي هذا يقول ابن الجوزي (ت: ٥٩٧ هـ) - رحمه الله -:
لذلك كان إنزال للقرآن على سبع لغات كفيلة بنشر القرآن لما في ذلك من تيسير قراءته وفهمه لجميع العرب إلا ما ندر. والنادر لا يعول عليه. (٢)
وإن مأتى هذه اللهجات العربية في القراءات القرآنية هو رحمة من الله عز وجل بتيسيره للعرب أن يقرؤوا القرآن بلهجاتهم … فكان من رحمته سبحانه وتعالى أن يسر للعرب الذين نزل القرآن بلسانهم أن يقرؤوه بلهجاتهم، فهو سبحانه يعلم ما طبع عليه الإنسان من تمسكه بلهجته التي نشأ عليها، وصعوبة انتقاله عنها صعوبة قد تصده عن الإقبال على القرآن، ومن ثم عن تدبره وفهمه واستنباط أسراره. (٣)
رابعًا: تيسير قراءة القرآن على المسلمين قاطبة في جميع الأعصار والأمصار.
فالإسلام هو دين الله للبشرية كافة، ولم تكن رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لجنس دون جنس، ولا لوطن دون وطن، بل كانت رسالته للإنسانية كلها على اختلاف الجنس والوطن واللغة. (٤)
خامسًا: إثبات إعجاز القرآن
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد- تحدى بالقرآن جميع الخلق: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله … } الآية (الإسراء: ٨٨). فلو أتى بلغة دون لغة لقال الذين لم يأت بلغتهم: لو أتى بلغتنا لأتينا بمثله، وتطرق الكذب إلى قوله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرًا. (٥)
إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب:
فتعدد مناحي التأليف الصوتي للقرآن تعددًا يكافئ الفروع اللسانية التي عليها فطرة اللغة في العرب، حتى يستطيع كل عربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطري ولهجة قومه مع بقاء الإعجاز
(١) -النشر في القراءات العشر (١/ ٢٢).
(٢) - فنون الأفنان في عيون علوم القرآن، لابن الجوزي (ص: ٢١٥). ط. دار البشائر الإسلامية، سنة النشر: ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٧ م.
(٣) - يُنظر: من القضايا الكبرى في القراءات القرآنية، الدكتور محمد حسن جبل (ص: ٥٩).
(٤) مناع خليل القطان، نزول القرآن على سبعة أحرف، (ص ١٠١ - وما بعدها).
(٥) -غيث النفع في القراءات السبع (١٤ - ١٦) هامش على سراج المبتدئ، وتذكار المنتهي لابن القاصح، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط. ١٣٧٣ هـ.