ولذا قال عثمان رضي الله عنه لأعضاء لجنة الجمع إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانها. -أي ابتداءً-.
وقد روى البخاري هذا الخبر عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-: أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: " إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا. (١).
وهو أمر قد نص فيه على الكتابة، ولم ينص فيه على القراءة، لأن القراءة أوسع وأشمل، حتى يبقى إعمال باقي الأحرف وعدم إهمالها.
قال القاضي أبو بكر بن الباقلانيُّ: (ت: ٤٠٢ هـ) - رحمه الله -:
معنى قول عثمان: نزل القرآنُ بلسان قريش، أي: معظمُه، وأنه لم تقم دلالة قاطعةُ على أنَّ جميعَه بلسان قريش، فإن ظاهر قوله - تعالى - (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) (يوسف: ٣) أنه نزل بجميع ألسنة العرب، ومن زعم أنه أراد مضر دون ربيعة، أو هما دون اليمن، أو قريشًا دون غيره فعليه البيان، لأن اسم العرب يتناول الجميع تناولاً واحدًا. (٢)
وقال أبو شامة المقدسي: (ت: ٦٦٥ هـ) - رحمه الله -:
يحتمل أن يكون قولُه: نزل بلسان قريش أي: ابتداء نزوله، ثم أبيح أن يُقْرَأَ بلغة غيرهم.
وتكملته أن يقال: إنه نزل أولاً بلسان قريش أحدُ الأحرفِ السبعة، ثم نزل بالأحرف السبعة المأذون في قراءتها تسهيلاً وتيسيرًا. فلما جمع عثمانُ الناس على حرف واحد رأى أنَّ الحرف
الذي نزل القرآن أوَّلاً بلسانه أَوْلَى الأحرف، فحمل الناس عليه؛ لكونه لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وللِمَا له من الأوَّلِيَّة المذكورة … (٣)
و ((القرآن الكريم)) هو في أعلى مستويات الفصاحة بالإجماع.
قال ابن خالويه: (ت: ٣٧٠ هـ) - رحمه الله - في "شرح الفصيح":
قد أجمع الناس جميعًا أن اللغة إذا وَرَدَت في القرآنِ فهي أفصحُ مما في غير القرآن، لا خلافَ في ذلك. (٤)
(١) - البخاري، فضائل القرآن، رقم: ٤٦٠٤، الترمذي، أبواب تفسير القرآن، برقم: ٣٠٢٩، ويُنظر: كتاب المصاحف لابن أبي داود: ١/ ٢٠٤، والفتح لابن حجر: ٩/ ١١.
(٢) -يُنظر: ((فتح الباري)) (٩/ ٩).
(٣) - يُنظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن (١٠/ ٩)، ح (٣٥٠٦).
(٤) -المزهر (١/ ٢١٣). ويُنظر: الاحتجاج في العربية: المحتج بهم - زمان الاحتجاج، د. محمود فجال، المصدر: مجلة العرب، العدد ٥، السنة ٢٣، ص ٣٤٢ - ٣٥٥. ويُنظر: الألوكة، بتاريخ: ٤/ ١٢/ ١٤٢٧ هـ.