وقد أخرج البخاريُّ في ((صحيحه)) في ((كتاب فضائل القرآن)) - باب نَزَلَ القرآن بلسان قُرَيْشٍ والعَرَبِ من حديث أنس بن مالكٍ قال: (فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبدالله بن الزبير وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم، وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم ففعلوا (١).
والرجوع للغة وحرف قريش لا يعني إهمال الأحرف الأخرى:
فإن الأمة كانت مخيرة في القراءة بأي حرف منها من غير إلزام بواحد منها، وأن من قرأ بأي حرف منها فقد أصاب، … بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر كلّا من المختلفين على قراءته، ولم يرجح قراءة واحد على الآخر، بل استحسن قراءة كلٍ. (٢)
المطلب الرابع: الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات
أولًا: لقد مر معنا ذكر جملة من أحاديث الأحرف السبعة المأذون في القراءة بها،
وأنها وردت متواترة من رواية جمع كثير من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وقد ذُكِرُوا بأعيانهم.
ثانيًا: لقد شاع وانتشر بين فئام من الخلق منذ زمن بعيد، أنَّ الأحرف السبعة التي أُنزِل عليها القرآنُ هي القراءات السَبع نفسها، ولا ريب أن هذا وهمٌ وفهمٌ خاطئٌ مخالفٌ ومجانبٌ للصواب، وذلك بإجماع أهل العلم؛
وقد حكى هذا الإجماع الإمامُ أبو شامة المقدسي (ت ٦٦٥ هـ) (٣) حيث يقول رَحِمَه الله:
وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل. (٤)
ويقول في موضع آخر رَحِمَه الله:
إن هذه القراءات التي نقرؤها هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن، استعملت لموافقتها المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة، وترك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفته لمرسوم خط المصحف. (٥)
(١) يُنظر: صحيح البخاريُّ، كتاب فضائل القرآن - باب نَزَلَ القرآن بلسان قُرَيْشٍ والعَرَبِ - ٦: ٩٧ - ، ويُنظر: الاحتجاج في العربية: المحتج بهم - زمان الاحتجاج د. محمود فجال، المصدر: مجلة العرب، العدد ٥، السنة ٢٣، ص ٣٤٢ - ٣٥٥. ويُنظر: الألوكة، بتاريخ: ٤/ ١٢/ ١٤٢٧ هـ.
(٢) -المدخل لدراسة القرآن الكريم، الدكتور محمد محمد أبو شهبة (ص: ٢٧).
(٣) - وأبو شامة هو: أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي المعروف بأبي شامة (ت: ٦٦٥) نقلًا عن الأعلام للزركلي.
(٤) يُنظر: (فتح الباري: ١٩/ ٣٧).
(٥) -المرشد الوجيز: (ص: ١٤).