أن هؤلاء السبعة من القراء إذا ولدوا وتعلموا اختاروا القراءة به. وهذا باطل، إذ طريق أخذ القراءة أن تؤخذ عن إمام ثقة، لفظًا عن لفظ، إمامًا عن إمام، إلى أن تتصل بالنبي - صلى الله عليه وسلم -
ومع إجماعهم أيضًا على أنه ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبعة أوجه، إذ لا يوجد ذلك في كلمة من المشهور. (١)
وقال السيوطي (ت ٩١١ هـ) - رَحِمَه الله-:
" إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. والمراد به أكثر من ثلاثين قولاً حكيتها في الاتفاق والمختار عندي أنه من المتشابه الذي لا يدري تأويله. (٢)
وحقيقة الخلاف في الأحرف السبعة واسع جدًا، وكما ذكر بعض أهل العلم آنفًا أنها على نحو من أربعين قولًا، كما عدها بعضهم من المشكل المتشابه الذي لا يُعْلَم معناه؛ وذلك لأن "الحرف" مشترك لفظي يصدق على معان عدة، ويعبر عن معان مختلفة، ولا يُعلم المقصود والمراد منه ولا يتعين إلا بقرينة.
من هنا يتبين لنا وعورة هذا المبحث، لكثرة الأقوال الواردة فيه، وتقارب وتشابه المعاني التي تحوم حوله، فيصعب الجزم بأن قولًا منها هو المعتمد المختار، أنى لأحد ذلك؟! وقد حارت فيه عقول كبار لهم قدم سبق ورسوخ، ولم تتمكن من الجزم به أقلام لها مكانتها وقدرها، وهذا مما
يجلي ويوضح صعوبة هذا المبحث وتشابه وتشابك أطرافه، وهذه محاولة للوصول لما يُرْجَى أن يكون أقرب للصواب من غيره.
ولعل الباحث في عرضه هذا قد يكون قد أصاب الحق بذكر أقرب الأقوال التي يرجو أن تكون أقرب للصواب من غيرها، وذلك بعد النظر والتأمل في أقوال العلماء التي يُظن أن الحق في هذه المسألة محصور فيها أكثر من غيرها، فتكون أرجى الأقوال
وأولاها بالصواب من غيرها.
أصح الأقوال وأولاها بالصواب
وأصح الأقوال وأولاها بالصواب، وهو الذي عليه أكثر العلماء، وصححه البيهقي، واختاره الأبهري وغيره، واختاره في القاموس. (٣)، أن المراد بالأحرف "أوجه من اللغات". وذلك لأن
(١) - النشر في القراءات العشر، لابن الجزري (١/ ٤٧).
(٢) - يُنظر: شرح السيوطي على النسائي: (٢/ ١٥٢).
(٣) يُنظر: شعب الإيمان، للبيهقي: (٢/ ٤٢١)، فضائل القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام: (٢/ ١٦٨)، تفسير ابن عطية: (١/ ٢٧)، البرهان، للزركشي: (١/ ٣٠٩)، البحر المحيط، للفيروز آبادي: ص: ٦١٦) مادة (حرف)، الإتقان، للسيوطي: (١/ ٣٢١).