الحرف يطلق لغة على الوجه، ومنه قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) (الحج: ١١).
قالوا: على وجه واحد. وهو أن يعبده على السراء دون الضراء. (١)
أي أن من الناس من يعبد الله على شك، وحقيقته أن يعبده على حرف الطريقة في الدين، لا يدخل في الدين دخول متمكن؛ فإن أصابه خير أي خصب و كثر ماله
وماشيته اطمأن بما أصابه، ورضي بدينه، وإن أصابته فتنة اختبار بجدب وقلة مال، انقلب على وجهه أي رجع عن دينه إلى الكفر و عبادة الأوثان. (٢)
قال الحافظ أبو عمرو الداني (ت ٤٤٤ هـ) - رَحِمَه الله-:
معنى الأحرف التي أشار إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - ههنا
يتوجه إلى وجهين:
أحدهما: أن يعني أن القرآن أنزل على سبعة أوجه من اللغات، لأن الأحرف جمع حرف في القليل كفلس وأفلس، والحرف قد يراد به الوجه بدليل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} (الحج: ١١). الآية، فالمراد بالحرف هنا الوجه، أي على النعمة والخير وإجابة السؤال والعافية، فإذا استقامت له هذه الأحوال اطمأن وعبد الله، وإذا تغيرت عليه وامتحنه الله بالشدة
والضر ترك العبادة وكفر، فهذا عبد الله على وجه واحد، (٣) فلهذا سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الأوجه المختلفة من القراءات والمتغايرة من اللغات أحرفًا، على معنى أن كل شيء منها وجه.
والوجه الثاني: أن يكون سمى القراءات أحرفًا على طريق السعة كعادة العرب في تسميتهم الشيء باسم ما هو منه، وما قاربه وجاوره وكان كسبب منه، وتعلق به ضربًا من التعلق، كتسميتهم الجملة باسم البعض منها، فلذلك سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - القراءة حرفًا وإن كانت كلامًا كثيرًا، من أجل أن منها حرفًا قد غير نظمه أو كسر أو قلب إلى غيره أو أميل أو زيد أو نقص منه على ما جاء في المختلف فيه من القرآن، فسمى القراءة إذا كان ذلك الحرف منها حرفًا على عادة العرب في ذلك، واعتمادًا على استعمالها. انتهى.
(١) - مختار الصحاح، الإمام الرازي، تحقيق عصام فارس الحرستاني، ص ٧٢، ط ٩، عام ٢٠٠٥ م، دار عمار، عمان.
(٢) - يُنظر: معاني القرآن وإعرابه، الإمام أبو إسحاق الزجاج، تحقيق د. عبد الجليل شلبي، ج ٣/ ص ٤١٤، ط ١، عام ١٩٨٨ م، عالم الكتب.
(٣) قال مجاهد، وقتادة، وغيرهما: (على حرف): على شك، تفسير ابن كثير: (٣/ ٢٣٣).