لم يقل به أحد، ولكن نقول: هذه الفوارق اللفظية واللغوية في طريقة أداء تلاوة القرآن متفرقة بين دفتيه، منثورة في سوره وآياته وكلماته، ومعانيها في هذا كله واحدة أو شبه واحدة، بحيث لا تتجاوز وجوه الاختلاف سبعة أوجه، مهما كثر ذلك التعدد والتنوع في أداء اللفظ الواحد، ومهما تعددت القراءات وطرقها في الكلمة الواحدة.
وقد نبه الحافظ ابن حجر (٨٥٢ هـ) - رَحِمَه الله- إلى هذا بقوله:
باب أنزل القرآن على سبعة أحرف: أي على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أنه كل كلمة ولا جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة ثم قال: فإن قيل: فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه؟ فالجواب: إن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة، وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما. (١)
قال ابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ) - رَحِمَه الله-:
وإنما تأويل قوله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: "نزل القرآن على سبعة أحرف": على سبعة أوجه من اللغات متفرّقة في القرآن، يدلّك على ذلك قول رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: "نزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ فاقرؤوا كيف شئتم". (٢)
تفرق ما ثبت قرآنيته من الأحرف السبعة وفق العرضة الأخيرة في جميع القرآن الكريم، وقد نص على ذلك أبو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ فقال:
وَلَيْسَ مَعْنَى تِلْكَ السَّبْعَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ الْوَاحِدُ يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ، هَذَا شَيْءٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ نَزَلَ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ، فَيَكُونُ الْحَرْفُ مِنْهَا بِلُغَةِ قَبِيلَةٍ، وَالثَّانِي بِلُغَةٍ أُخْرَى سِوَى الْأُولَى، وَالثَّالِثُ بِلُغَةٍ أُخْرَى سِوَاهُمَا، كَذَلِكَ إِلَى السَّبْعَةِ. وَبَعْضُ الْأَحْيَاءِ أَسْعَدُ بِهَا وَأَكْثَرُ حَظًّا فِيهَا مِنْ بَعْضٍ، وَذَلِكَ يُبَيَّنُ فِي أَحَادِيثَ تَتْرَى. (٣)
(١) - فتح الباري: (٩/ ٢٣)، ويُنظر: الأحرف السبعة، مجلة نهج الإسلام العدد/ ١٣٩/
بقلم: محمد هيثم فخري الدالاتي.
(٢) تأويل مشكل القران، لابن قتيبة الدِّينَوري: (١/ ٣٠). والحديث بهذا اللفظ أخرجه أحمد في المسند: (٢/ ٣٠٠)، (٤/ ٢٠٤)، (٥/ ١٦)، (٦/ ٤٣٣ - ٤٦٣)، والهيثمي في مجمع الزوائد: (١٥١ - ١٥٢ - ١٥٤)، والسيوطي في الدر المنثور: (٢/ ٦)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: (١١/ ٢٦)، والربيع بن حبيب في مسنده: (١/ ٨)، وابن أبي شية في مصنفه: (١٠/ ٥١٦)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (١٥٢٢).
(٣) - يُنظر: فضائل القرآن: (٢/ ١٧٥)، ويُنظر: صحيح البخاري، باب نزل القرآن على سبعة أحرف: (٤٧٠٥) (٤/ ١٩٠٩).